طغت المادة واستحوذت في هذا الزمان على عقول بعض البشر، حتى أصبح التفريط وقلة الأمانة فيما يُوكَّل الإنسان فيه عادة لدى البعض، وكأنه ضَمِن الحياة الأبدية في هذه الدنيا.. قطيعة الرحم انتشرت وأصبحت ظاهرة، تفككت الأُسر إلا من رحم ربي، تباعدت القلوب وتنافرت لدى البعض بسبب فقدان العدل بينهم، قبل أن تدخل علينا الحضارة وحُب المال والجشع وظلم أولي القربُى.. كانت تسير الحياة بين الأسر بكل بساطة في حُبٍ ووئام ووفاء، بالرغم من ضيق المنزل وشح المال وقلة الرفاهية، حيث المنزل صغير جدًا، ومع ذلك يضم العائلة بأكملها بل يضم الضيوف الزائرين لأقاربهم على فراش من حصير، الأكل في إناء واحد، الزوجة والزوج كانا يمثلان قمة الأخلاق في المنزل عندما يُريد الزوج السفر إلى مسافة بعيدة سواء كان للعمل أو للتجارة يسهرون معه إلى بعد منتصف الليل في سوالف وحكايات ويودعونه بالدموع، وخاصة الزوجة والأبناء، تحرص الزوجة على تقديم الخدمات له بنفسها، تُرتِّب له لوازم السفر، وتسير معه إلى أن تودعه بمسافة عن البيت، تردد استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه، أوصيك بتقوى الله ولا تقرب الحرام بكل أشكاله، واحرص على المال الحلال، وكذلك الوالدين يخيّم عليهما الحُزن أيامًا بعد سفر ابنهما، الأسرة بكاملها تتابع أخبار من يسافر لطلب المعيشة تنتظر بكل شوق رسائل البريد التي تحمل أجمل العبارات، لم تصل إلا بعد شهر أو شهرين لأن البريد يمر البلد كل شهر ولا اتصال إلا بالقلوب، مقتطفات من الرسائل (سؤالنا عنكم لا يزال وإن سألتم عني نحن بخير، وأخبارنا تسركم، البلاد شربت سيل وزرعناها ذرة، والخبت جاه مطر وزرعناه سمسم ودخن وحبحب، وخطبنا لك في بنت فلان، وحددنا الزواج بعد جني ثمرة البلاد).. أما إذا كان من أصحاب الحرث والأراضي الزراعية التي كانت مصدر المعيشة في الماضي، فإن الزوجة والأولاد يُشاطرونه في الأشغال، الزوجة جنبًا إلى جنب من الصباح الباكر إلى المساء، الحُب والوفاء بينهم هو سيد الموقف، التزاور مع مشقة الطريق ووعورته كان أكثر بين الأسر من الوقت الحاضر، صلة الرحم عند أُسر زمان تواصل مستمر، لا يوجد ما يُعكر صفوهم، والمال عندهم هو وسيلة وليست غاية، يتقاسمون لقمة العيش، لا نفاق ولا كذب ولا قطيعة رحم، تتجلى روح المحبة فيهم عند كل مناسبة، حق الجوار مُقدس عندهم، وخاصة إذا كان الجار فقيرًا، فلا يشعر بالفقر، يأكل مما يأكل جاره الذي عنده مال.. هذا مُلخّص من بعض صفات أيام زمان.. ولنا عودة وتطرّق لحلاوة الماضي إن شاء الله. محمد أحمد الناشري - القنفذة