* يا سيدي الوقت، ليس ذنبي في أن أكون شفافًا، ولا هو ذنب غيري الذين قدَّمت لهم الحياة القسوة المُفرطة فيما لو عاملوني بقسوة الحياة، التي أثّرت على كل شيء فيهم، حتى على علاقاتهم مع الآخر، الذي يفترض أن يقبل من كل الناس ما يصله منهم، حيث لكل فرد قصة حياة مختلفة وظروف مختلفة، ولولا ذلك لتساوى الناس كلهم، فمثلا قد تجد رجلًا عاش تاريخه كله في القرية، وقضى جل وقته في مهنة الرعي، وحين حاصرته الظروف وقرر الانتقال للمدينة؛ وجد الحياة مختلفة في كل شيء، ووجد رجالها يلبسون الأحذية، مثل هذا علينا أن نقبله قبل أن نقبل منه كل تصرفاته، والتي سيتخلص من بعضها بمرور الزمن، لكن أن تجد الانحراف في فكر بعض المثقفين الذين يفترض أن يكونوا أنموذجًا مميزًا في كل شيء، في تصرفاتهم، في كتاباتهم، في حديثهم، في معاملتهم، بمعنى أن لا يبغض الكذب وهو الكاذب الأول، ويحث الآخر على القيم وهو لا يملك منها شيئا أبدًا، وكثيرة هي الحكايات والتصرفات السيئة في حياة البعض، وعلينا أن نقبلها أيًا كانت، لأننا لسنا المسؤولين عن تربيتهم غير السوية، ولا علاقة لنا بهم ولا بتبعات أفعالهم، لتبقى القضية الكبرى هي أن تشم رائحة مقززة بين السطور التي تظل تمضغك وتلجك لما فيها من الكِبر المعتمد على الفكر المنقول، والذي تظنه الذهنية المتعالية أنه إنجاز ضخم لا يقدر عليه أحد إلا هو، وعلى العكس في عقلية المبدع المبتكر الذي تبرز قيمة المعرفة والاطلاع في كتاباته، أما أن تكون الكتابة بأسلوب فيه شعور أكره أن اكتبه هنا، فتلك هي المصيبة التي لا علاج لها أبدًا..!!! * يا سيدي الوقت، هبني من حنانك بعض ما يُقدّمني للناس؛ من خلال هذا القلم النحيل، الذي يعرف أنني أكتب ولا أكذب، أُحب ولا أحقد، وأعيش تفاصيل الحياة حسبما تجيء، وأكره أن يُقدّمني غيري بطريقة استعراضية إلا من خلال اسمي فقط، ولا شيء عندي أغلى وأثمن منه، وإن كنت أصر أن يتبعه اسم والدي رحمه الله، وأغضب جدًا من كل من يحاول أن يُسقط اسمه عنوة، ولو بيدي لوضعت اسمي بعد اسمه، هكذا أرى الحياة من خلال ما قرأته أنا، لأكتب للقارئ من خلال فكري أنا؛ إلا في الضرورة القصوى؛ فإني أكتب الفكرة وأشير لصاحبها، لأنني أكره أن أنقل مقالي من كتاب لأُقدّمه للقارئ، وهو يستطيع أن يشتري الكتاب ويقرأه، والأولى ببعض الكُتَّاب الذين يفعلون ذلك أن يفعلوا كما كان يفعل نجيب محفوظ؛ حين كان يُرشد قُرّاءه المختلفين معه إلى أسماء بعض الكتب المتعلقة بموضوع النقاش، بدلًا من النقل وتبعاته، وممارسة الوصاية على القارئ، وهو مجرد رأي شخصي، لأنتهي ببعض السلوكيات التي يمارسها بعض عُشَّاق الصدارة، والذين يكرهون أن يصلها غيرهم، وهي قضية تضحكني كثيرًا حين أجدها، فأردد المثل: (يحسدون الأعور على كبر عينه)، ليظل الأهم عندي هو أن اقرأ أكثر مما أكتب، وأقدم للناس مقالًا هم يرونه جميلًا، أما أن أقول أنا «ابن جلا» وأُسقط حقوق الآخرين بريشة قلمي، هنا يكون الخلل الذي يدفع بمثل هؤلاء تجاه السلوكيات الشاذة لا أكثر، والذي أتمناه أن نبني فكرًا حضاريًا يليق بالزمن..!!! * (خاتمة الهمزة).. (كل الرسامين لهم بدايات متقشّفة، بيكاسو مثلًا في أول هجرته لفرنسا، رسم لوحات يغلب عليها اللون الأزرق، كان رأي النقاد في الزرقة أن فقر المهاجر منعه من شراء ألوان أخرى).. هذه خاتمتي ودمتم.