مازالت المجالس تتحدث عن قرار مجلس الشورى، فيما يخص صرف بدل السكن لموظفي الدولة، ومازال الأمل يدغدغ أحلامهم المتواضعة في امتلاك بيت العمر. قلوب المواطنين بين ارتفاع وانخفاض، وشهيق بلا زفير، في انتظار اللحظة الحاسمة للقرار.. فقد مرت أسابيع عدة على تأجيل مجلس الشورى التصويت لتلك التوصية التي تقدم بها عضو مجلس الشورى المهندس محمد القويحص -جزاه الله خيرًا. لقد طار انتظار المواطنين، وهم -الآن- يتوجسون خيفة من أن تذهب تلك التوصية التي تحمل كثيرًا من آمالهم أدراج الرياح، في حين أنها لا تعدو أن تكون مجرد مقترح غير ملزم التنفيذ. هذه اللهفة الشعبية جعلتني أعاود النظر في أسباب التأجيل، وتقليب آراء المعارضين والمؤيدين، لعلي أصل إلى علّة مقنعة لهذا الصمت من مجلسٍ يمثل آمال الشعب ويتحدث بلسانه. فالسبب الذي أدلى به بعض الأعضاء من أن التوصية المقدمة ضعيفة لعدم تضمنها معلومات ودراسة مستوفاة تضمن نجاحها أثناء التصويت، بمعنى أن حجم المشكلة غير معروف. عجيب هذا السبب الذي تُجيب عليه ردود فعل المواطنين التي امتلأت بها صفحات النت. هذه الردود وحدها كفيلة بإبراز حجم المشكلة التي لو قرأها من لديه حس وطني يمكنه من التعايش الحقيقي مع مشكلات المواطن لأغناه ذلك عن كل دراسة، فواقع المواطنين مشاهد لكل عين مبصرة، فالمشكلة إذا تفاقمت وأصبحت واقعًا ملموسًا يكون مضيعة للوقت إخضاعها للدراسة، لأنها غدت في مرحلة إيجاد الحلول السريعة، خاصة إذا ما علمنا إقرار ولاة الأمر بوجود المشكلة وسعيهم الحثيث -حفظهم الله- لإيجاد حل لها، وهذا ما صرح به صاحب السمو الملكي الأمير نايف بقوله: (نسعى أنا وخادم الحرمين الشريفين أن يكون لكل مواطن سعودي مسكن ليشعر بالأمان والانتماء). وإذا ما وقفنا على آراء المؤيدين والمعارضين، فإننا سندرك تمامًا أنه لا داعي لذاك التأجيل، فالكل يُقر بوجود المشكلة من حيث يشعر أو لا يشعر، وإنما الاختلاف في طريقة العلاج التي يجب أن يؤخذ بها، وحتى هذه لا أرى فيها معضلة إن تحررنا من فكرة الإقصاء، واعتنقنا فكرة إمكانية الاتحاد والتوافق. فالمؤيدون يرون ضرورة صرف بدل السكن لموظفي الدولة لأن هذا سوف يعين المواطن على القضاء على أعظم مشكلة اجتماعية مازالت تؤرق الصغير قبل الكبير، والميت قبل الحي، الميت الذي ترك أسرة وصغارًا ليس لهم سقف يظلهم، والمعارضون يرون أن صرف البدل النقدي سيحل مشكلة لفئة محددة من المواطنين في حين أن من حق جميع المواطنين موظفين وغير موظفين أن يستفيدوا من هذا القرار، ويرون أن يكون صرفه في شكل مساكن جاهزة تُعطى للمواطن بقروض ميسرة، وهناك من يُعارض هذه الفكرة لمردودها العكسي على الوضع الاجتماعي، ويرى إعطاء المواطن قروضًا عقارية ليبني مسكنه كيف يشاء وفي أي موضع شاء. هذا ملخص الآراء التي وقفت عليها وكلها في نظري آراء لها وجاهتها لا تستوجب من مجلس الشورى إطالة الفترة الزمنية لدراسة الموضوع في الوقت الذي يتقلب فيه المواطن على جمر الغلاء. لماذا الحيرة يا مجلس الشورى؟ لماذا لا يُؤخذ بكل تلك الآراء وتفتح منافذ وخيارات متعددة أمام المواطن كل حسب موقعه وظروفه. فمثلًا موظفو الدولة يُخيّرون: فمن أراد بدلًا يُمنح ومن أراد سكنًا جاهزًا يُعطى. أما المواطنون من غير موظفي الدولة فهم بالخيار بين أن يُمنحوا سكنًا جاهزًا وبين أن يُمنحوا أرضا ويأخذوا قروضًا ميسرة لبنائها، بمعنى أن تتعدد الخيارات بعد وضع آليات تيسر حصول المواطن على ما يُريد، خاصة أننا دولة أنعم الله علينا بخيرات وفيرة ولله الحمد، وننعم أيضًا بولاة أمر يسعون لرفاهية الشعب. نعم.. لماذا الحيرة يا مجلس الشورى، وأمامنا تجارب ناجحة لدول كثيرة قامت بحل تلك الأزمة، وهي أقل منّا في القدرة الاقتصادية، ففي تركيا مثلًا حتى العاطل بإمكانه أن يحصل على سكن خاص عن طريق تهيئة وظيفة له تُدر عليه دخلًا، وتقتطع منه الدولة جزءًا لتسديد أقساط السكن بثمن ميسر، وكذلك كبار السن من النساء والرجال، ولعل هناك دولا لها تجارب أكثر نجاحًا من تركيا، فلماذا نحتار ونبدأ من الأصفار..؟! ص. ب: 698 المدينةالمنورة 4131