العظماء هم من يتجاوزون في حياتهم مباشرة الأمور الروتينية للقيام بأدوارهم المحورية ، مُغلفينها بممارسات إنسانية تعكس سيكولوجية تتسامى عن استغلال النفوذ ، ونيران السلطة ، إلى رسم رؤى روحانية تعمل على إحداث تحولات جوهرية في بُنية مجتمعاتهم ، بحيث تضمن لها الريادة والتأثير والحضور الفاعل ، وتكتسب هذه الصفة شرعيتها من مصادقة الشعوب على أهلية هذا الزعيم لقيادته بطواعية دافعها الثقة بالله أولاً ، ثم تمتعه بسمات قيادية مُتفردة يتحلى بها ثانياً ؛ جراء مواقفه الثابتة، وقراراته الحاسمة تجاه أمته ووطنه مهما تباينت الظروف المرتهنة في بعض الأحيان لمؤثرات خارجة عن إرادته نتيجة الاندماج العالمي المتنامي في الكثير من الشراكات بهدف إحداث بيئة نمطية للتعايش. قادني لهذه المُقدمة حصول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – يحفظه الله – على وسام الأبوة العربية الذي قدمه أطفال العرب وفاءً لدوره ومواقفه الإنسانية ، وتسلَّمه نيابة عنه السفير السعودي في مقر الجامعة العربية بالقاهرة. قد لا يحمل لنا - نحن السعوديين - هذا الخبر الشيء الجديد ، لأن أبوته لنا واقع نتعاطاه في كل اللحظات ، وتُظللنا إنسانيته ورحمته صباح مساء ، ولكن أن يكون هذا القائد الإنسان أباً لأطفال العرب ؛ فهذا يعني أن ثمة مشاركا لنا في الظفر بعطف ملك تجرد من طقوس بلاطه ، وتجليات سلطانه ، وتجاوز حدود الوطن في أبوته ، الأمر الذي نغبط عليه أنفسنا على هذه المشاركة الوجدانية التي جعلتنا نتباهى بوالدنا أكثر وأكثر، متجاوزين آفة الأنانية ، ومُرسخين قيمة الإيثار في ذواتنا. هذه الاحتفائية تعكس بما لا يدع مجالاً للشك بأن نظرية التأثير والتأثر لا ترتبط بعمر زمني ؛ بقدر ما تقاس بمنجزها الإنساني غير المرتبط بمصلحة آنيِّة أو مستقبلية من جهة وحضورها المؤثر على الساحة الحياتية خلال هذا العمر من جهة أخرى، مما يعني أننا أمام مرحلة برز فيها والدنا الإنسان عنواناً للشموخ، ورمزاً للعطاء، ودافعاً لرفع رؤوسنا شامخة حتى عنان السماء. إن هذا الفوز إفراز طبيعي لتعاطٍ إيجابي قام به ولا يزال خادم الحرمين الشريفين مع كل ما يخدم قضايانا العربية؛ مما وضعنا - قيادة وشعباً - محطاً للأنظار حولنا وبجدارة أن نلعب دوراً حيوياً في إعادة إحياء القيم السامقة في عالم تملكته ماديات الحياة، وخفت في تعاملاته روحانية الإسلام ، وأصالة العروبة العريقة ؛ فكل هذه المعطيات تبعث في نفوسنا البهجة والسرور، وتدفعنا إلى ممارسة الاحتفاء بوعي وإدراك يعكس توجهات صاحب الاحتفائية الذي تجرد في إحدى المناسبات من مسميات أُسقطت عليه كملك الإنسانية وملك القلوب ، ووجهنا إلى أن يكون ولاؤنا وانتماؤنا الفاعل من خلال المحافظة على المكتسبات والعمل البنّاء . الحب الصادق الذي عبَّر عنه أطفال العرب لأبيهم الأنموذج لا تقف في وجهه متاريس السلطة، ولا تحجبه الأبواب الموصدة، ولكنه رسخ في النفوس حُباً إلهياً مطبوعاً في خلجات القلوب تجاه قائد بذل نفسه لخدمة وطنه وعروبته من خلال توفير سُبل العيش الكريم لمواطنيه، والسهر على راحتهم، غير متناسٍ أمته العربية والإسلامية التي عمل ولا زال يعمل على رفعة شأنها، والمطالبة بحقوقها المشروعة في كافة المحافل الدولية التي يكون فيها طرفاً مؤثراً وفاعلاً ، لا حاضراً مُتفرجاً.