قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس) فمن أين أبدأ؟ وماذا أقول؟.. تزدحم الكلمات على لساني؛ فيتلعثم بياني، وتضطرب المعاني في مخيلتي نعم أكتب هذه الكلمات وهي تسابق عبراتي، وتطغى آهاتي على فقدان زملائي، قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) وقال تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، ويقول الحسن البصري: (يا ابن آدم إنما أنت أيام إذا مضى يومك مضى بعضك)، ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: (أخذ النبي بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء). فالمسافر يأخذ حقيبته ويترك كل الأثاث، والغريب أن الإنسان يعرف أنه مسافر ولن يأخذ معه إلا عمله، ومع ذلك لا يعمل لذلك اليوم، لذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن الدنيا دار ارتحال وليست دار إقامة، ففهموا وعملوا إذًا عش ما شئت فإنك ميت، لكن الله يعلم بحالنا وهل سيختم لك يا بني آدم بخير أم بشر؟ هل ستموت على طاعة أم على معصية، وأحبب من شئت فإنك مفارقه قريبًا أم بعيدًا، صديقًا أو قريبًا، مهما طال بقاؤك معه، فسوف تفارقه أو يفارقك، نعم هذا ما حصل في خلال أسبوع فارقنا اثنين من زملاء العمل، هو أبو أسامة «فهد الأحمدي» وأبو محمد «نجيب دسوقي».. لقد خيّم الحزن على الجميع من موظفين ومسؤولين بالشركة التي نعمل بها، سبحانك ربي لا نعلم عنهما إلا كل خير في عملهما ومعاملتهما مع الآخرين، نعم أقولها ونحن شهداء الله في الأرض، ستظل طيب ذكراهما عالقة في قلوبنا.. وبحكم تعاملي مع أبو محمد «نجيب دسوقي» وبشهادة جميع من تعاملوا معه، كان رحمه الله يمتاز بالخلق الرفيع وحسن المعاملة مع الجميع، حتى في أصعب ظروف ضغط العمل، كما كان يمتاز بالتفاني والأمانة والإخلاص في كل عمل يؤديه بشهادة زملائه ورؤسائه، ولا نزكي على الله أحدًا. ولذلك أقول في مقالي هذا وهل هنالك شيء أفضل من أن يترك الإنسان أثرًا طيبًا يذكره الناس بكل خير، ويدعون له، وأن لا يكون الإنسان صفرًا على الشمال، بل لا بد أن يكون صفرًا إيجابيًا له مفعوله الدائم حتى بعد وفاته، فليكن كلًا منّا مُحبًّا لأخيه ومتسامحًا في عمله وفي مجتمعه، وأن يساعد الآخرين قدر المستطاع، وأن يسهل أمورهم بدون تعقيدات، وليعلم فاعل الخير أن هذه المساعدة قد تكون سببًا في رضا الرب عنه، وأخيرًا جزى الله خيرًا كل شخص ساعد ووقف بجانب زميليّ المتوفين وأدعو الله أن لا يحرمهم الأجر.. رحمك الله يا أبا أسامة ويا أبا محمد، فقد كنتما قدوة لغيركما. وقبل الختام أقول داعيًا ربي اللهم عافهما واعف عنهما وأكرم نزلهما ووسع مدخلهما واغسلهما بالماء والثلج والبَرَد، ونقِّهما من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدّنس، وجازهما بالحسنات إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، وألهم أهلهما وأبناءهما وزوجاتهما وإخوانهما الصبر والسلوان، وأحسن الله عزاءنا وعزاءهم، ووفق الله أبناءهما إلى برِّهما والإحسان إليهما والدعاء لهما.. وختامًا لا نقول إلاّ: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ). عبدالرحمن عبدالحفيظ منشي - رابغ