في الرابع عشر من ديسمبر الجاري نشرت (المدينة) تقريراً مفصلاً أتى بأكثر من «سبق» صحفي عن تداعيات قضية مجلة «ساينس» العلمية الأمريكية التي نشرت تحقيقاً صحفياً من إعداد يوديجيت باتاشارجي اتهمت فيه بعض الجامعات السعودية علناً بأنها تدفع أموالاً من أجل الوصول إلى درجات متقدمة على سلالم التصنيفات الجامعية العالمية تحت عنوان مثير للجدل: «الجامعات السعودية تقدم عروضًا نقدية مقابل الحصول على البريستيج الأكاديمي». الجديد في تقرير صحيفة (المدينة) والذي قمتُ بالإشراف على إعداده، هو التواصل مع أهم الأشخاص المتسببين في إثارة هذه القضية والحصول على وثائق مهمة توضح حيثيات القضية وتدعم قرائنها، حيث تم التواصل مع البروفيسور روبيرت كيرشنر أستاذ الفلك بجامعة هارفارد، وهو الشخص الذي استلم عرض عمل بدوام جزئي (Contract Of Part-Time Employment) من جامعة الملك عبدالعزيز عبر رسالة إلكترونية أرسلت إليه من قبل أستاذ فلك في الجامعة يدعى (ح. ع.) وبنى عليها كيرشنر تصوّره بأن الجامعة تبتغي دفع أموال طائلة من أجل تسجيل أبحاثه لمصلحتها كانتماء ثانٍ له على قوائم فهرس الأبحاث ISIHighlyCited.com، أما الشخص الثاني فهو الصحفي باتاشرجي الذي فتح تحقيقاً موسعاً استند فيه على الرسالة الإلكترونية التي تلقاها كيرشنر وصورة عقد العمل المقدم، وأجرى على إثرها مقابلات مع باحثين عالميين ومحليين لطرح القضية من جميع الأطراف المعنية، والطرف الثالث هو الأكاديمي (ح. ع.)، والذي تسببت رسالته في إثارة شكوك مسؤولي جامعة هارفارد حول الغرض من هذا النوع من العقود الأكاديمية. سيناريو هذه القضية ابتدأ قبل أربعة أشهر عندما أرسل أستاذ الفلك (ح. ع.) من جامعة الملك عبدالعزيز رسالة نصية عبر البريد الإلكتروني إلى البروفيسور كيرشنر بتاريخ 19 يوليو 2011م وأرفق معها صورة من عقد عمل بالدوام الجزئي بمكافأة شهرية مقدارها 6 آلاف دولار بالإضافة إلى 80 ألف دولار سنوياً لتمويل الأبحاث، (المدينة) انفردت بنشر صورة الرسالة والعقد بالكامل مع الترجمة، وأرسلت الرسالة بعنوان: «برنامج الأستاذية بالتعاون» (Adjunct Professorship)، وكتب في مقدمتها بأنها مخاطبة باسم جامعة الملك عبدالعزيز، وذكر فيها ثلاثة طلبات رئيسية بخصوص التعاقد في هذا البرنامج: 1- إعداد مجموعة بحوث في جامعة الملك عبدالعزيز تحت إشراف البروفيسور كيرشنر. 2- الحضور لأسبوع أو أسبوعين في السنة بالجامعة (وهذا الشرط ينظر فيه بمرونة). 3- إضافة قسم الفلك بجامعة الملك عبدالعزيز كانتماء ثانٍ في فهرس البحث العلمي (ISIHighlyCited.com). أما صورة عقد العمل بالدوام الجزئي والتي تحصلت (المدينة) منفردة على كامل النسخة، فهي تتألف من خمس صفحات وأثني عشر بنداً، واشترط البند الثاني من العقد؛ العمل في مرافق جامعة الملك عبدالعزيز لمدة شهر كامل على الأقل بمعدل 35 ساعة أسبوعياً، وهو ما يتعارض مع المطلوب في نص الرسالة التي عرضت أسبوعا واحدا أو أسبوعين فقط في السنة (مع المرونة في ذلك)، وهنا ساور الشّك البروفيسور كيرشنر الذي قام بإبلاغ رئيس قسمه بذلك، ومن ثمّ انتقل الأمر إلى مجلة «ساينس». والجدير بالذكر هو أن جامعة الملك عبدالعزيز قامت بالرّد على ادعاءات «ساينس» عبر بيان رسمي أعدّه وكيل الجامعة للدراسات العليا أ. د. عدنان زاهد، ونصّ البيان على عشرة بنود، كان أهمها البند الثالث، والذي أشار إلى أنه يشترط على الأستاذ المتميز المتعاقد معه في هذا البرنامج إجراء بحث في المملكة مع مشاركة (2) من السعوديين، وعليه نشرت (المدينة) قائمة بأسماء 76 باحثًا عالميًا ارتبطت أبحاثهم بإشراك اسم جامعة الملك عبدالعزيز كانتماء ثانٍ لهم في فهرس البحوث (ISIHighlyCited.com)، ولكن بعد انتقاء عشوائي لبعض من هؤلاء الباحثين يتضح من أبحاثهم المنشورة حتى الوقت الحاضر عدم اشتراك باحثين سعوديين على الرغم أن البعض من الباحثين العالميين اشترك معهم أكثر من 6 باحثين في البحث الواحد، وتم الاستشهاد بأستاذ الرياضيات مايكل دوبيتا من جامعة هاواي والبروفيسور راي بريسان من جامعة بوردو على سبيل المثال ولم يكن هناك أي باحث سعودي مدرج في أبحاثهم المسجلة. إن فهرس الاستشهاد بالأبحاث العلمية (ISIHighlyCited.com) يضم أسماء 114 باحثاً عالمياً ربطوا أسماء جامعتي الملك عبدالعزيز والملك سعود كانتماء ثانٍ لهم، ولو كان ما عرض عليهم من عقود أشبه بما عُرض على البروفيسور كيرشنر (مكافأة بمبلغ 72 ألف دولار سنوياً و80 ألف دولار لتمويل الأبحاث) فإن قيمة المصروفات على برنامج مشاركة الباحثين الأجانب بالتعاون (Adjunct Professorship) من المحتمل أن تصل إلى حوالى 64 مليونا و980 ألف ريال سنوياً. ما نريده دائماً وأبداً هو الحق والوصول للحقيقة بكل وضوح وشفافية، وليس الغرض بتاتاً الإساءة لصروحنا التعليمية وتحطيم تطوير البحث العلمي، ولكن يجب أن نضع أيدينا على الحقيقة بأدق تفاصيلها طالما أن البحث العلمي لدينا تعرّض لادعاءات واتهامات خطيرة داخلياً وخارجياً، فهل تقود خيوط القضية إلى دحض الادعاءات بأن بعض جامعاتنا تسجّل جهود الباحثين العالميين في الخارج لمصلحتها مقابل إغراءات مالية، أم أننا بالفعل استقطبنا الكفاءات لدعم البحث العلمي الوطني كما تفعل الجامعات العالمية..؟! وإضافة أخيرة.. ما هو نصيب طلابنا من كل هذا..؟!