تناقلت وسائل الإعلام المحلية والخليجية، ومواقع الإنترنت، تقرير ساينس الذي اعتبره البعض طعنا في نظام التعليم العالي في المملكة، وتعميما للإدانات على الجامعات ال سعودية بشكل اعتبره البعض غير علمي ومنهجي. «عكاظ» حصلت على نسخة من التقرير باللغة العربية، وتنشره كاملا، حيث يتضح من التقرير وجود خلط واضح في ما نشر أو تداولته المواقع الإلكترونية، حول منهجيات بعض الجامعات. «عكاظ» حاولت الاتصال بوزير التعليم العالي للتعليق على التقرير دون جدوى، ونضع «تقرير ساينس» كاملا؛ بين أيدي القراء لأهميته، ولتأكيد المنهجية الصحافية في الوقوف على حقيقة ما نشر. وجاء في التقرير «للوهلة الأولى فسر روبرت كيرشنر Robert Kirshner الرسالة الإلكترونية التي تلقاها بأنها غش واحتيال، وكانت هذه الرسالة موجهة إليه من أستاذ الفلك في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة في المملكة العربية السعودية تعرض عليه عقدا بوظيفة أستاذ مساعد (Adjunct) براتب (72000) دولار سنويا، كان العقد ينص على أن يشرف كيرشنر أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد على مجموعة بحثية في جامعة الملك عبدالعزيز، وأن يقضي أسبوعا أو اثنين في السنة في مقر جامعة الملك عبدالعزيز، وحتى هذا الشرط كان محلا للتفاوض، كما ورد في الرسالة الإلكترونية. كان المطلوب من كيرشنر هو أن يضيف اسم جامعة الملك عبدالعزيز بوصفها المؤسسة الثانية التي ينتسب إليها وراء اسمه على قائمة الباحثين الأكثر ذكرا في الاستشهادات (Highly Cited) التي يعدها معهد المعلومات العلمية Institute for Scientific Information (ISI). بريد ساخر قال كيرشنر: «لقد اعتبرتها نكتة»، ولذلك أرسل البريد الإلكتروني إلى رئيس قسمه، ملمحا في سخرية إلى أن المرتب المعروض عليه كان أكثر كثيرا من الزيادة السنوية 2 في المائة التي يحصل عليها الأساتذة عادة، ثم اكتشف بعد ذلك أن زميلا له الأكثر ذكرا في الاستشهادات من مؤسسة أمريكية أخرى قبل عرض جامعة الملك عبدالعزيز وأضاف اسمها بوصفها المؤسسة الثانية التي ينتسب إليها على الموقع ISIhighlycited.com. لم يكن زميل كيرشنر هو الوحيد الذي قبل ذلك، فقد علمت مجلة «العلوم» Science أن أكثر من 60 من الباحثين البارزين في التخصصات العلمية المختلفة، مسجلون على قائمة الباحثين الأكثر ذكرا في الاستشهادات التي يعدها معهد المعلومات العلمية، وقعوا مؤخرا عقود عمل انتظام جزئي part-time مع الجامعة التي تقوم أساسا على أمثال العرض الذي قدم لكيرشنر. في هذه الأثناء ارتفعت مؤسسة سعودية أخرى أكبر شهرة وحجما، هي جامعة الملك سعود في الرياض مئات المراتب في التصنيفات الدولية في السنوات الأربع الماضية، في المقام الأول من خلال مبادرات كانت تستهدف خصيصا إرفاق اسم جامعة الملك سعود بالمنشورات البحثية، بغض النظر عما إذا كان العمل تضمن أي تعاون ذي معنى مع باحثي الجامعة. يحذر الأكاديميون من داخل المملكة وخارجها من أن أمثال هذه الممارسات من شأنها أن تنتقص الجهود الأصيلة التي تبذلها جامعات سعودية أخرى لكي تحول نفسها إلى مراكز بحثية عالمية، وعلى سبيل المثال أنفقت الحكومة السعودية مليارات الدولارات لبناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الجديدة التي تفخر بأحدث المختبرات وعشرات الباحثين البارزين الذين يعملون أعضاء دائمين بها (Science, 16 October 2009, p. 354). لكن المبادرات التي تتبعها جامعتا الملك سعود والملك عبدالعزيز تستهدف تحقيق نتائج أسرع، فهي «تشتري الأسماء وحسب»، على حد تعبير محمد القنيبط أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة الملك سعود الذي انتقد مؤخرا هذه البرامج في مقال كتبه في صحيفة الحياة السعودية. يقول تيدي فيشمان Teddi Fishman مدير مركز النزاهة الأكاديمية في جامعة كليمسون في كارولينا الجنوبية: إن هذه البرامج تخلق عن قصد انطباعا خاطئا بأن هذه الجامعات تنتج بحوثا عظيمة. ينتمي الأكاديميون الذين قبلوا عرض جامعة الملك عبدالعزيز إلى مختلف التخصصات من المؤسسات البحثية القيادية في الولاياتالمتحدة وكندا وأوروبا وآسيا وأستراليا، وكلهم رجال. وبعض هؤلاء الأساتذة تقاعدوا من مؤسساتهم مؤخرا، وبوصفهم من أكثر الباحثين إحالة عليهم في الاستشهادات التي يعدها معهد المعلومات العلمية فقد غيروا اسم المؤسسة العلمية التي كانوا ينتمون إليها إلى جامعة الملك عبدالعزيز كما ينص عليه العقد معها، ومن شروط العقد الأخرى أن يكرس الأستاذ «كل وقته واهتمامه ومهاراته وقدراته لأداء واجباته»، وأن يقوم بعمل «يكافئ عمل أربعة أشهر على مدى فترة العقد». يقول نيل روبرتسن Neil Robertson أستاذ الرياضيات المتقاعد في جامعة ولاية أوهايو الحكومية في كولومبوس الذي وقع العقد: إن العرض ليس فيه ما يثير القلق، «إنها الرأسمالية، وهم يملكون المال ويريدون أن يبنوا به شيئا». ويقول أستاذ آخر ينتسب إلى جامعة الملك عبدالعزيز هو أستاذ الفلك جيري جيلمور Gerry Gilmore من جامعة كامبردج في المملكة المتحدة: إن «الجامعات دائما تشتري صيت الأساتذة، وهذا لا يختلف من حيث المبدأ عما تفعله جامعة هارفارد حين توظف باحثا متميزا». رفض المقابلة المسؤولون في جامعة الملك عبدالعزيز لم يستجيبوا لطلب مجلة ساينس لإجراء مقابلة. لكن سرندر جيان Surender Jain أستاذ الرياضيات المتقاعد في جامعة أوهايو في أثينا الذي يعمل مستشارا لجامعة الملك عبدالعزيز عونا في تجنيد كثير من المساعدين، وقدم قائمة ب 61 أكاديميا وقعوا عقودا مشابهة لذلك الذي عرض على كيرشنر، وتختلف الترتيبات المالية في العقود، كما يقول جيان، فبعضهم على سبيل المثال لا يتقاضون رواتب، بل مكافآت كجزء من منحة بحثية تقدمها جامعة الملك عبدالعزيز. يعترف جيان بأن الهدف الأساسي للبرنامج الممول من وزارة التعليم العالي السعودية هو أن «تحسين انتشار وتصنيف جامعة الملك عبدالعزيز». لكنه يقول: إن جامعة الملك عبدالعزيز تسعى أيضا إلى أن يساعدها الأكاديميون الأجانب في بدء برامج بحثية أصلية. ويضيف جيان «إنهم لن يأخذوا المال بلا عمل»، إذ سيكون على الواحد منهم أن يزور الجامعة لأربعة أسابيع في السنة «لتدريس برامج مكثفة»، وأن يشرفوا على الرسائل، ويساعدوا الأساتذة الدائمين في جامعة الملك عبدالعزيز في تنقيح المقترحات البحثية. وهم يعولون على أن «ظلال» هؤلاء العلماء المتميزين أو «خيالهم» من شأنه أن يشكل إلهاما للطلاب والأساتذة المحليين. دعم العملية البحثية وقال المتعاقدون الذين تحدثت إليهم مجلة «العلوم» : إنهم مهتمون حقا بدفع العملية البحثية في جامعة الملك عبدالعزيز، رغم أن أحدا منهم لا يعرف كيف ستتطابق خططه البحثية الفردية مع اهتمامات وقدرات أساتذة وطلاب جامعة الملك عبدالعزيز. يقول راي كارلبيرج Ray Carlberg أستاذ الفلك في جامعة تورنتو الكندية إنه لم يقبل العرض إلا بعد أن أجرى بحثا على محرك جوجل حول الجامعة بعد أن تلقى البريد الإلكتروني، ويعترف بأنه كان قلقا في البداية من أن تكون المسألة مجرد شراء لاسمه، لكنه أصبح على قناعة بأن جامعة الملك عبدالعزيز كانت جادة في الاستفادة من خبرته في إجراء البحوث. وقدم كارلبيرج للجامعة اقتراحا بتمويل منظار يفكر في بنائه على جزيرة في القطب الشمالي الكندي، ويقول: إذا قبلت الجامعة هذا الاقتراح، فإنه سيوفر فرصا لإشراك طلاب وأساتذة من جامعة الملك عبدالعزيز في المشروع. رفع التصنيف ويضيف روبرتسون Robertson «نعم إن الانتشار مهم جدا بالنسبة لهم، لكنهم يريدون أيضا أن يبدأوا برنامج دكتوراة في الرياضيات». ويقول جيان: إن جامعة الملك عبدالعزيز احتذت نموذج جامعة الملك سعود التي أطلقت حملة كبرى قبل ثلاث سنوات لرفع تصنيفها الدولي، وهي الجامعة التي وراءها عبدالله العثمان الذي حصل على درجة الدكتوراة في علوم التغذية من جامعة أريزونا في عام 1992، وعمل وكيلا لوزارة التعليم العالي السعودية قبل أن يعين مديرا لجامعة الملك سعود في عام 2008. تولى العثمان منصبه في وقت كان الإعلام السعودي ينتقد فيه الجامعات السعودية على ظهورها الضعيف في التصنيفات الدولية للجامعات، فمن بين (3000) جامعة على تصنيف Webometrics في عام 2006 احتلت جامعة الملك سعود المرتبة (2910) واحتلت جامعة الملك عبدالعزيز المرتبة (2785) واحتلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي مؤسسة سعودية قيادية أخرى، المرتبة (1681) ولم تأت أيّ من هذه الجامعات ضمن قائمة الجامعات ال (500) الأولى في تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات العالمية في عام 2008. برامج تغيير جذرية أطلق العثمان برنامجين في جامعة الملك سعود لكي يحدث تغييرا جذريا، كان الأول هو برنامج زمالة عالم، الذي يقول موقعه على الشبكة إنه يستهدف «زيادة عدد الباحثين الأكثر ذكرا في الاستشهادات في جامعة الملك سعود» و «إطلاق نشاطات بحثية مشتركة بين الباحثين العالميين الذين إمكانية للنشر في مجلات «الطبيعة» و «العلوم»». أما المبادرة الأخرى فكانت برنامج الأستاذ الزائر الذي يشترط عقده الذي حصلت مجلة العلوم على نسخة منه أن ينشر الأستاذ الزائر خمس مقالات سنويا في المجلات المسجلة في معهد المعلومات العلمية. وينص العقد أيضا على أن الجامعة ستدفع للأستاذ الزائر في مقابل كل بحث شارك في تأليفه أحد منسوبي الجامعة وينشر في المجلات المسجلة في معهد المعلومات العلمية. علماء متميزين لقد أراد العثمان أن يحقق نتائج سريعة، ولذلك وقّعت الجامعة سريعا مع كثير من العلماء المتميزين من أوروبا وآسيا والولاياتالمتحدة، ما رفع عدد منشورات منسوبي جامعة الملك سعود سريعا إلى (1211) بحثا في عام 2010، أي حوالى ثلاثة أضعاف ما نشرته في عام 2008. لكن قليلا من الأعمال التي تعالجها هذه المقالات أنجز في جامعة الملك سعود، كما يقول عبدالقار الحيدر أستاذ الصيدلة في جامعة الملك سعود، ونتيجة لذلك اقتحمت جامعة الملك سعود في عام 2010 صفوف الجامعات الواقعة بين المركزين (300) إلى (400) في تصنيف شنغهاي للجامعات، ثم جاءت في سبتمبر 2011 بين المرتبة (200) و (300) على نفس التصنيف، وعلى تصنيف المقياس الشبكي Webometrics الأخير جاءت جامعة الملك سعود في المرتبة (186)، وهي مرتبة متقدمة كثيرا عن مكانتها في عام 2006. «تحتل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي التي دفعت بطريقة مماثلة للحصول على المكانة، مرتبة بين (300) و(400) في تصنيف شنغهاي». يشير الحيدر والقنيبط في نقدهما لاستراتيجية الارتقاء السريع التي اتبعها العثمان إلى تأثيراتها على سجل النشر لخالد الرشيد، عالم الحيوان، الذي يرأس برنامج زمالة عالم، بدأ الرشيد كأستاذ في جامعة الملك سعود في عام 1992 بعد أن حصل على درجة الدكتوراة من جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة في تأثير المعادن الثقيلة على الهدبيات، وعلى مدى الأعوام الخمسة عشر التالية من عمله بالجامعة كان ينشر حوالى أربعة بحوث في السنة، معظمها في مجلات شرق أوسطية. بحوث الإنتاج لكن منذ عام 2008، بعد أن أطلقت الجامعة برنامج زمالة عالم بقيادته، أصبح الرشيد غزير الإنتاج، فاشترك في تأليف (139) ورقة بحثية، منها (49) بحثا في عام 2010 و (36) بحثا حتى اللحظة الراهنة من هذا العام. كان المؤلفون المشاركون في معظم بحوث الرشيد باحثين من مختلف أرجاء العالم، ما يوضح الدعم المالي من مركز التميز في بحوث التنوع الحيوي في جامعة الملك سعود الذي يرأسه الرشيد. وكان بعض المؤلفين المشاركين من الباحثين الذين تعاقدت معهم جامعة الملك سعود تحت برنامج زمالة عالم. نشر أحد هذه البحوث حول الكيمياء الحيوية في أكتوبر في مؤتمر الأكاديمية الوطنية للعلوم وشارك في تأليفه سبعة أساتذة إضافة إلى الرشيد، منهم الحاصل على جائزة نوبل إروين نيهر Erwin Neher من معهد ماكس بلانك للكيمياء الفيزيائية الحيوية في جونتجن G?ttingen الألمانية، ورينير هيدريك Rainer Hedrich من جامعة ورزبيرج Wurzberg الألمانية. ونيهر وهيدريك هما أستاذان متميزان في جامعة الملك سعود. أقر الرشيد في حديثه مع مجلة «العلوم» بأن الزيادة الكبيرة في النشر في الأدبيات العلمية ناتج عن المال الذي استثمرته جامعة الملك سعود، لكنه أنكر أن يكون قد اشترى وضع اسمه على البحوث استنادا على الدعم المالي الذي تقدمه الجامعة للباحثين الأجانب. وقال: إن الأمر ببساطة يرجع إلى أنه مجد في عمله، مشيرا إلى أنه كان يتصل بمراسل المجلة من مكتبه في منتصف الليل في المملكة العربية السعودية، وأمامه عمل كثير، وأوضح أيضا أن «النتائج في مجاله سريعة، حتى إن نشر من (70) إلى (80) ورقة بحثية في العام أمر عادي. مشيرا إلى أنه قد حضر مؤتمرات كثيرة على مر السنين، وأجرى أعمالا تعاونية كثيرة، وقال: «من حسن حظي أنني استطعت أن أجذب أناسا كثيرين للعمل معي».