تلقيت اتصالاً عصر الأحد الماضي من زوجتي وأكاد لا أسمع ما تقول من شدة بكائها وبعد جهد كبير لمعرفة سبب البكاء أفادتني بوفاة الشيخ عمر بادحدح لم أنطق بعدها بشيء واكتفيت بذكر الله والدعاء له بالرحمة والمغفرة ثم للحظة تذكرت قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع أعرفه (رحمه الله) منذ قرابة الثلاثين عاماً كان يأتي للمسجد المقابل للمنزل ويوضع له الكرسي في ركن المسجد في الصف الأول وبعد الصلاة كان الكثير من المصلين يأتي للسلام عليه باختلاف أمورهم فمنهم من يأتيه طالباً المساعدة ومنهم من يأتيه للشفاعة ومنهم من يأتيه للسلام ومنهم من يطلب منه أن يتبعه للمنزل وكنت في ذلك الوقت أتعجب من محبة الناس لهذا الرجل وفي المقابل كنت أشعر أن هذا الرجل ليس له شغل يشغله إلا مساعدة الناس وتلبية احتياجاتهم وفي مقدمة هؤلاء السجناء المعسرون الذين شكلت لهم لجنة لاحقاً ترأسها هو يرحمه الله. وعلى الرغم من وجوده على مقاعد مجلس إدارة بيت التجارة لمدة 35 عاماً إلا أن ذلك لم يشغله عن الاهتمام بالناس ومساعدتهم والإصلاح بينهم فقد كان علماً من أعلام الحي وكان منزله وجهة لكثير من الزوار وكان يحرص على زيارة كثير من المسؤولين وبعض أمراء المناطق لتقديم الشفاعة للضعفاء، كما كان من مؤسسي هيئة الإغاثة الإسلامية ومن الحريصين على نشر العقيدة الصحيحة والحد من البدع والخرافات وطباعة الكتب وإرسالها. عندما تخرجت من الجامعة قمت بتقديم أوراقي إلى وزارة الخدمة المدنية لأجد وظيفة حكومية، وحتى وصول التعيين عملت وقتها في تأسيس مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا مع سعادة الدكتور مازن بليلة حفظه الله وبعد حوالى 3 أشهر من التخرج جاءت الموافقة على تعييني مدرسا في إحدى المدارس الحكومية بمدينة الرس واحترت كثيراً هل أترك وظيفتي الحالية وألتحق بالوظيفة الحكومية أم أعتذر عنها، فجئت للعم عمر بادحدح وقتها وأخبرته بالأمر فقال لي يا إبراهيم هناك المئات يمكن أن يقوموا بدور المعلم أما المجال الذي أنت فيه الآن فقد لا يتوفر شخص يمكن أن يؤدي الدور الذي أنت فيه اليوم فأوصيك أن تبقى في عملك بالقطاع الخاص وتعتذر عن الوظيفة الحكومية، فكانت نعم الوصية التي أحمد الله عليها باستمرار. وعندما عزمت على الزواج أتيت إليه لأستشيره فقال لي ما رأيك أن تأتي والدتك إلى المنزل يوم الأربعاء حيث تجتمع العائلة وهناك ترى حفيداتي ولها أن تختار منهن من تراها مناسبة لك، فخجلت منه وقبلت رأسه وشكرته وخرجت من عنده إلى والدتي حفظها الله والتي ذهبت وفق وصيته إلى ذلك المنزل المبارك حتى أكرمني الله بالزواج بإحدى حفيداته فكانت أعظم هدية أتلقاها منه رحمه الله. كنت أتحين وقت خروجه من المسجد لأضع سيارتي أمام الباب فإذا رآني كان يركب معي فأسعد بتلك الدقائق التي أوصله فيها من المسجد إلى منزله لأسمع توصياته واقتراحاته وآراءه، وبعد زواجي من حفيدته كنت أزوره في المنزل وفي كل مرة أخرج من عنده بفكرة جديدة وكان يسأل دائماً عن أخبار العمل ويحرص دائماً على مداعبة زواره وتبادل أطراف الحديث معهم. كثيراً ما كان يقول (أبنائي هم ثروتي التي أعتز بها أما المال فليس شيئاً بالنسبة لي)، فأنعم بهم من أبناء رجالاً ونساء، لم يحبسه مرض عن زيارة الناس والخروج لقضاء حوائج الضعفاء والمساكين، كان كريماً متواضعاً رحيماً بالأيتام جابراً لخواطرهم مترفعاً عن الجدال له مكانته بين الناس. رأيت جنازته وهي متجهة إلى مثواه وتلك الجموع من خلفها تتسابق لرفعها، ورأيت الحشود تتسابق لتعزية أبنائه وتذكرت سيرته العطرة وأعماله الفاضلة فشعرت بطمأنينة في نفسي وسألت المولى أن يغفر له ويرحمه ويرزقه الفردوس الأعلى من الجنة فقد كان نعم الأب ونعم الجد.