قال الضَمِير المُتَكَلّم: مساحة هذه الزاوية من كل جمعة تحمل سطورها محاولات لِصناعة الإنسان في ذاته، في قدراته، في تعاملاته مع الآخَرين، في إحساسه بالضعفاء والمساكين؛ واليوم صورة إنسانية تستحق أن تعزفها أبيات شَاعِر، أو ترسمها كلمات أدِيب؛ ولكني لست هذا أو ذاك، ولذا سوف أترك النّبَضَات هي مَن تُمَارس كتابة الكلمات: الزمان: صباح الاثنين الماضي، المكان أحد أسواق الملابس في المدينةالمنورة؛ حيث كانت اللغة السائدة في جنباته (الهدوء)، بل اللا حَركة إلا من بعض أصوات الباعة التي تعيد صَف وترتيب الأشياء!! فجأة يدخل مجموعة من الصغار، مختلفي الألوان، وكما يبدو الجنسيات، تعود الحياة لذاك المكان!! نعم إني أسمعهم، أراهم في فَرح يتراكضون البَسَمَات تعلو وجوههم البريئة، كل واحد منهم يُفَتِّش عن عما يُناسبه من ملابس الشتاء!! ذاك ينادي: (أستاذ علي.. أستاذ علي) أريد هذا، يجيب: يا وَلَدي خَذ ما تريد! آخر تكاد البهجة تقفز من عينيه: (أسْتَاذ.. أسْتَاذ)، هل هذه مَقَاسِي؟ جَربها يا (...) بنفسك وتأكد!! تركت الزاوية البعيدة التي أقبع فيها، اقتربت أكثر من ذالك الجَناح الذي تسكنه (الحَيَاة)، أحسست بشعور غريب، (آه إنه الفضول)!! عدد أولئك الأطفال يتجاوز العشرين، أكبرهم ربما اقترب من السنة الثانية عشرة مِن عمره، يرافقهم رجلان!! أسئلة تتصارع وتتجاذب في نفسي، هل هم طلاب مدرسة؟! لكن هذا ليس مكان رحلاتهم، ولا تلك لغة خطابهم عموماً؛ التي نبراتها التّعنيف والزّجْر!! طيب هل هم من جمعية خيرية؟! (ربما)!! الآن أنا بجوار أحدهما، وسوف أُريح تلك النّفس، وآتيكم بالخبر اليقين! عفواً، وفضلاً (أنا العبد الفقير "....")، فقط أريد أن أعرف الحكاية؛ لأروي عطَش فضولي!! نحن من مدرسة (العِز بن عبدالسلام الابتدائية بالمدينةالمنورة)، وأنا (علي الأحمدي وذاك زميلي عبدالله الأحمدي)، أما هؤلاء فأطفال أيتام ومحتاجون في المدرسة، وقد اعتادت المدرسة أن تُسَاعدهم بكسوة للشتاء، وأخرى للصيف كلّ عام واحتياجات أخرى لهم؛ بل وبمصروف يومي!! بارك الله في جهودكم، وهل تأمين التكاليف من وزارة التربية؟! (لا أبداَ)، إذن هل ذلك مصدره إحدى الجمعيات الخيرية؟! أجابني (أيضاً لا)، هو مساهمة مالية يتبرع بها معلمو المدرسة!! أصدقكم، ويشهد الله انِسَابَت الدَمَعَات من عَيْنَي، حاولت صدها، إخفاءها، ولكن... (ربما هذا ضعف مني، وإن كانوا يقولون ويؤكدون دموع الرّجال غالية)!! ولست أدري هل هبطت تلك العَبَرات، شفقة ورحمة بأولئك الصغار المساكين؟! أم كانت دموع فَرح وسعادة بالممارسة النبيلة الإنسانية لتلك المدرسة ومعلميها!! فتحية إجلال وإكبار، وقُبلات شُكر على جبين كل مَن صَنع الإنسانية في تلك المدرسة الرائدة فَرْداً، فرداً! وهنا لماذا تغيب ميزانية وزارة التربية عن تلك الجوانب الإنسانية؟! فلماذا لا تقوم بهذه المهمة في مدارسها؟! وأين الجمعيات الخيرية الكثيرة عن زيارة المدارس، والتعرف على الأيتام والفقراء فيها، والوقوف معهم ودعم أسرهم؟! ويبقى ما تقوم به تلك المدرسة ومعلموها منهجا رائدا يستحق أن يكون قدوة، ومنهجاً، ونأمل تكريمها من قِبَل إمارة المدينة، ومِن مسؤولي التربية فيها، ومِن رجال الأعمال في طيبة الطيبة. وأخيراً هذه دعوة صادقة من العبد الفقير الموقع أعلاه بإنشاء (جمعية خاصة لمساعدة الفقراء والمحتاجين من طلاب المدارس)؛ فما رأيكم؟! هَاه، يا مَن تمتلكون القدرات المالية، ويا مَن تتأبطون الخبرات الإدارية بتلك الجوانب؛ هل نبدأ الإجراءات غداً؟! (قولوا: يارب). ألقاكم بخير والضمائر متكلمة. تويتر: @aaljamili