قال الشاعر: وإن علاني مَن دوني فلا عجب لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل من الطبيعي جدًّا أن يتفاوت الناس في الرتب، والمنازل، والمكانات، فهذا رجل غني آتاه الله مالاً وفيرًا، وهذا رجل فقير لا يجد إلاّ قوت يومه، وهذا موظف كبير يتبوأ منصبًا مرموقًا، وهذا موظف صغير أقل منه رتبة ودرجة، وهذا عالم متبحر في تخصصه وفنه يُشار إليه بالبنان، وهذا طالب علم لا يزال في بداية الطريق. لا شك أن هذا التباين أمر مسلّم به، لكن على المرء ألاّ يدّخر جهدًا في سبيل الوصول إلى أسمى المراتب، وأن يعقد العزم ويجمع النية على تحقيق آماله وطموحاته مهما كلّف من تضحيات جسام، أمّا أن يظل الإنسان يندب حظه العاثر، ويكثر من العويل، والتشكّي فهذا عجز وتفريط، وضعف لا يُجدي نفعًا، بل يضاعف الهموم والأحزان، ويزيد الطين بلة، وحسب المرء هذا. إن عجلة الزمن تظل دائرة، مَن يستطيع أن يوقفها والأيام تنقضي سراعًا مَن يمسك بتلابيبها، وغروب الشمس يؤذن بطلوع فجر جديد ما أحرانا أن نهتبل كل دقائقه، وثوانيه، وساعاته، عطاءً وعملاً، إنجازًا وتحقيق هدف أو غاية، والسير بخطى حثيثة نحو التميّز والإبداع، فكم من فرص ضاعت، أعقبتها لحظة جزع وندم، وذهبت عليها النفس حسرات، وهيهات أن ينفع الندم أو الحسرة! في الأحوال كلها المرء في مسيس الحاجة إلى همّة تبلغ عنان السماء، وإلى إرادة تطاول الجبال، جاء في الحديث الشريف: (لو تعلّقت همّة أحدكم بالثريا لنالها). وشتّان بين مَن يتطلّع إلى الثرى، وبين مَن يرمق الثريا، ثمة بون شاسع بين مَن يمتطي صهوة الجد والمثابرة، وبين مَن يتردّى في هوة القعود والخمول، أنى له أن ينهض من عثرته. من رام وصل الشمس حاك خيوطها سببًا إلى آماله وتعلّقا ما أجمل أن يكون المرء حازمًا في أفعاله، وفي تصرفاته، كله حماس، وكله طموح، وكله جرأة وإقدام، وفي الوقت نفسه يحذر كل الحذر من (سوف)، فإنها متكأ كل خامل، عاجز، ارتضى لنفسه الضعة والهوان. إضاءة: قال إيليا أبوماضي: الأرض للحشرات تزحف فوقها والجو للبازيِّ والشاهين