اتّجه أبوماضي نحو التجمع الشبابي وبيده (مشعاب) لا يبشر بخير، فولولت الأمهات اللاتي يتابعن المشهد عبر النوافذ خوفًا على أبنائهن، وعندما وصل ل(النومني) أخذه أبوماضي جانبًا، وهمس بأذنه: تتضمن مفاضلة الحارة بينك وبين المختار الاطّلاع على هاتفك الجوال، ويجب عليك تسليمه فورًا، فصرخ (النومني): هذا اعتداء على الحريات الشخصية، وهذا من أهم الإصلاحات التي سأحدثها في الحارة، وما صفتك حتى تأخذ جوالي و...، و.... قاطعه أبوماضي بتهدئته: (أص اهب) اخفض صوتك، ثم رفع عقيرته: لو أن جوالك يخلو ممّا يعيب ما تحفظت عليه، ونحن لا نرضى بمختار لديه ما يعيبه! فتعالت الصيحات المؤيدة للاطّلاع على جوال (النومني)، فلم يجد بدًّا من تسليمه لأبي ماضي، الذي قبضه كغنيمة حرب، وركض بسرعة الريح تاركًا (مشعابه) وراءه، اختبأ أبوماضي خلف الباب، وتصفّح قائمة الأسماء في جوال النومني، وعندما شاهد اسم نانسي تأوّه (يا لبيه)! نقل الرقم لجواله فورًا قبل تسليم الجوال لمجلس الحارة المشكّل لحسم العمودية، وفي الخارج ضجّت الحارة باكتمال الأطراف، وبدأ الصدام، بادر النومني: باسم الحرية، باسم الشباب، باسم المستقبل، يسعدني الترشح ل...، وقبل أن يكمل فوجئ بمقذوفات منوّعة تحط على رأسه: باسم ستار أكاديمي أيُّها التافه، قل باسم الله، قاتلك الله أيُّها التغريبي الإمّعة، ابتسم المختار لهذه الإرهاصات، وتنحنح مستهلاً خطابه: باسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على الهادي الأمين وصحبه الأطهار الأكرمين، اللهم أرنا الحق حقًّا و....، وقبل أن يكمل قاطعته صيحات المنافسين: هيه ستقلبها خطبة جمعة، اختصر، فكثرت المقذوفات المتبادلة بين الفريقين، إلى أن فوجئ الجميع بعامل النظافة يعتلي إحدى السيارات ويعلن إضرابه، وزملائه عن العمل احتجاجًا على رمي المخلّفات، وأنهم لن يقوموا برفعها إلاّ بعد رفع أجورهم، فثارت جماعة أخرى في ركن آخر من الحارة، وتقدموا نحو المشهد مطالبين بنصيبهم من إدارة الحارة، ووضع قوانينها، فصدح المتحدث عنهم بأنهم مواليد الحارة الذين ظلوا يعاملون بتهميش وإقصاء، وأن الأوان مناسب لتغيير وضعهم كليًّا، والسماح لهم بمصاهرة المختار الجديد؛ لإثبات نوازع الانفتاح والحرية لديه، فزادت المقذوفات حتى لم يبقَ قدر أو مقلاة في مطابخ الحارة. رأى مجلس الحارة أن الأمور ماضية للتعقد أكثر، وأن لا سبيل للاتفاق، وأن مثل هذه المناظرات ستفسح المجال لمن هب ودب لإحداث الفوضى والتكسب الشخصي باسم التقدم والحضارة، واتفقوا على عمل ما يضمن فض الموقف بأسرع وقت، فاستدعوا (النومني) لمفاوضته، وعرضوا عليه التوسط لتوظيفه فوافق فورًا، وأمر فريقه بالانسحاب حفظًا لاستقرارها، وأنه لا يهون عليه أن يرى حارته كومة من النفايات، ومسرحًا للفوضى، وأنه سيضحي بطموحاته من أجل (عيونها)!