لا يمكن تصوير الضغوط العربية على نظام الأسد في دمشق باعتبارها حرب تجويع ضد السوريين، كما يزعم النظام السوري، فالضغوط العربية هدفها ببساطة تجنيب سوريا (شعبًا، وحكومة) ويلات تدخل دولي تقترب استحقاقاته كلّما ابتعدت دمشق عن الحل العربي، وتلك الضغوط العربية تهدف في التحليل الأخير الى إنقاذ أرواح مدنيين سوريين قضى منهم أكثر من أربعة آلاف على يد الجيش والأجهزة الأمنية في سوريا، كما تهدف إلى تجنيب هؤلاء المدنيين ويلات حرب يسير النظام اليها معصوب العينين، غير مقدر للأهوال والكوارث التي قد يجلبها على نفسه، وعلى شعبه، وعلى وحدة وسلامة بلاده. المبادرة العربية بشأن سوريا هي محاولة للإبقاء على الحل عربيًّا، وهى مسعى لتمكين الشعب السوري من تحقيق تطلعاته في الحرية والأمن والعيش الكريم، ولمساعدة النظام على تجنب ويلات واستحقاقات مازالت الفرصة سانحة أمامه لتجنبها، لكن إصرار النظام في دمشق على تجاهل الحقائق، وانشغاله بافتعال شواهد مزورة وأفلام مزيفة، فيما تعمل آلة القتل والقمع عنده في إيقاع المزيد من الضحايا في صفوف شعبه، كل ذلك من شأنه أن يقود إلى تدخل دولي لن يستطيع نظام دمشق ولا مَن تبقى من أصدقائه القليلين جدًّا حول العالم منعه او مواجهته. رفض النظام السوري التوقيع على بروتوكول نشر المراقبين بهدف حماية المدنيين رغم انتهاء المهلة الأخيرة أمس (الأحد) سوف يعني ببساطة رفض الحل العربي، والمخاطرة بالزج ببلاده في أتون حرب أهلية لا يستطيع أحد التكهن بنهايتها مهما بلغت قدرته على التوقع والتحليل. أمّا الرهان على حلفاء النظام في طهران فيبدو رهانًا أرعن، غير مستوعب لحقائق الوضع الراهن في المنطقة على اتّساعها، حيث تنشغل ايران الآن بمعالجة أزمتها مع النظام الدولي كله، فيما تقترب استحقاقات مواجهة كبرى حول ملفها النووي المثير للجدل. نظام دمشق اعتلى الشجرة في رهانه على ما قد يمكن أن يسببه للمنطقة من مشكلات طائفية، أو عرقية، أو سياسية، ولم يعد بقادر على النزول دون سلم عربي يعينه، أو سقوط دام قد يطيح به، وإذا كانت المبادرة العربية هي محاولة لوضع السلم العربي النقال أسفل شجرة العناد التي اعتلاها نظام الأسد.. فإن هذا السلم العربي لن يظل طويلاً تحت شجرة العناد الأسدي.