قبل أعوام طويلة ، كنت من ضمن مئات الطالبات اللواتي درسن بمدرسةٍ حكوميةٍ متوسطة ذات مبنى مستأجر ، مبنى رديء لدرجة أنه كان مدرسة طلاب ومن ثم سكناً للعمال وبعد ذلك مدرسة للطالبات ، وقد تم إخلاؤنا منها ثلاث مرات خلال عام واحد بسبب التماس كهربائي وقال حينها أحد أفراد الدفاع المدني لمديرة المدرسة حينما داهموا المدرسة بعد تصاعد رائحة الالتماس : مبنى المدرسة غير صالح للدراسة أبداً ، الأسلاك في الداخل شبه متداخلة وذائبة . ومع ذلك .. استمرت الدراسة بتلك المدرسة كأن شيئاً لم يكن ، كانت الطالبات يشعرن بشعور الترقب باستمرار ، كانت هنالك خيالات كثيرة عن كيفية النجاة في حال احترقت المدرسة بدون أن نعلم وتفاجأنا بذلك الحريق ، والمدرسة هذه تحولت الآن لمدرسة خاصة للجاليات المقيمة هنا حالياً . والأمر لم يتوقف عند المدارس فقط ، بل أيضاً المباني الجامعية الرديئة التي تشكو الطالبات والطلاب باستمرار عن وجود التماس كهربائي بين أسلاكها . بالطبع مناسبة الحديث عن ذلك هو كارثة الحريق التي حلت بمدرسة «براعم الوطن « بجدة ، والخسائر البشرية التي أنهكت نفسية أهالي جدة وتسببت بمراسيم عزاء كثيرة في الأسبوع الماضي ، الخبر الذي غطى الصفحات الأولى في الصحف السعودية وشغل مستخدمي الشبكات الاجتماعية بدأ بالنوم تدريجياً ، لكن القضية مازالت مشتعلة حتى وإن نامت الأسباب التي أشعلتها الآن . ومع أن مشرف المدرسة قال أن (مدرسة براعم الوطن من أفضل المدارس، ولا تعتبر مبنى مستأجرا، لأنه صمم أصلا ليكون صرحا تعليميا، مشيرا إلى أن جميع متطلبات السلامة متوفرة، ولم يتم إغفال أي منها، فهناك خمس مضخات موزعة على أدوار المدرسة، و46 طفاية حريق، و5 مخارج طوارئ ولافتات تشير إليها) فإنه من الواضح جداً أن كل هذه الوسائل التي يفترض بها أن تقلل الكارثة ، لم تكن متواجدة على الإطلاق بأي شكلٍ من الأشكال ! هذا الحريق هو درس لكل منزل ومدرسة وفرد سعودي ، في أن النار- واي كوارثٍ طبيعيةٍ – لها احترامها الذي يجب أن يتم وضع أسباب وخطط افتراضية من أجل حماية الأرواح البشرية في حال وقوع أي منها ، معظم المنازل السعودية تخلو من طفايات الحريق ولا يوجد بها جرس انذار ، معظم مدارسنا لا تحتوي طفايات حريق صغيرة سهلة الحمل يمكن للطالبات أن يحملنها في حال حدوث حريق . هنالك الكثير من المدارس تُغلق النوافذ بشرائط لاصقة من أجل منع الطالبات من مشاهدة أي مشهدٍ خارجي ، هنالك أبواب خاصة بالطوارئ تُغلق بالكثير من الأقفال التي يصعب فتحها في حال حدوث حريق فعلي . الأمر لا يتوقف هنا فقط ، فلا بد أن يتم تعليم كل طالبة وطالب كيفية التفريق بين أنواع الاشتعال المختلفة من أجل استخدام الطرق الصحيحة للنجاة منها ، الوقاية هي الطريق الوحيد الذي سنقلل به خسائرنا .. خسائر أبنائنا وبناتنا .