الربيع العربي فصل خامس لم يدر بخلد أكثر الناس تفاؤلًا، هبّ من غرب الوطن العربي ليوقظ البراعم من تحت الركام في شرق غابت الشمس عن بعض أوطانه نصف قرن، فبدأت أعناقها تفتش عن شمس الحرية، وتخرج من غياهب الظلم والظلام. الربيع العربي أيقظ الفطرة العربية التي مسختها أنظمة القهر والاستبداد، وأعلن أن شجرة الحرية التي نفضت أوراقها لم تمت، فهي تستعد لحمل حضاري جديد. وخرجت الثمرة عربيّة الملامح، تحمل نقاء الأرض وطهارة السماء. الربيع العربي أعلن أن التربة العربية نقيّة وعصيّة في آن واحد، فلديها قدرة خاصة على مقاومة النباتات الضارة، مهما بذل من جهود في تطويعها وتطبيعها على استقبال القنّب والعليّق. الربيع العربي أنبت شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي سنة الله التي لا تتبدل، ولن تجد لسنة الله تبديلا، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربّه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. هذه بلاد الإسلام ومعارج الضياء ومواطن التضحيات، لا يمكن أن تفرط في تاريخها، الذي شكلته آيات النور، وحرسته دماء الشهداء. الربيع العربي أخذ بأيادي المحرومين، والمظلومين، والقابضين على الجمر، أخرجهم من غياهب السجون، ووضعهم في الصف الأول، وأقام صلاة الجماعة وقال لهم: تقدموا، فأنتم أهل التضحيات، وصناع البطولات، والرائد الذي لا يكذب أهله، كنتم تبشرون بالصباح، والبغي يحرس الظلام، وأبى الله إلا أن يتم نوره. الربيع العربي كشف أن الأمة واحدة، وأن الإسلام هو الشعلة التي لم تمت في قلوب الناس، مهما هبت الأعاصير، وكثر المرجفون، وأعداء النور. الربيع العربي أعاد الروح إلى الأمة، فأخرجها من غرفة العناية الفائقة تمشي على قدميها، وأيقظ جامعة الدول العربية من سباتها العميق لتقول: أصبحنا وأصبح الملك لله. الربيع العربي هشم رؤوس الجبابرة، الذين قالوا سنصحح القرآن بالقلم الأحمر، وأحلوا محله الكتاب الأخضر، فجعل الله أصدقاءهم أعداء، وسادتهم جنودا، وسلط الظالمين على الظالمين. فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون. الربيع العربي آية من آيات الله كنا عنها معرضين، كشف لنا عن عمى ثقافي، ركن فيه الناس إلى الأشياء، وتجاهلوا الأفكار، وقانون الحياة، وسنن الله التي لا تتبدل. فالظلم الذي استطالت قبضته، وظنّ أصحابه أنهم يملكون البلاد والعباد، فقتلوا الصالحين، وأقصوا المصلحين، وحاربوا الخير، وأكرهوا الناس على المنكرات، جاءهم يوم تشخص فيه الأبصار، وما ربك من الظالمين ببعيد. ولكي لا يكون هذا الربيع زمهريرا، لابد من ترسيخ ثقافة اذهبوا فأنتم الطلقاء، والانتصار على شهوات النفس، وأحقادها، والاعتبار بمصير الظالمين، وتجفيف منابع ثقافة الكراهية والاستبداد. الربيع العربي دعوة عامة للخروج من ثقافة العمى إلى ثقافة البصيرة، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. [email protected]