عمر طالب بالصف السادس الابتدائي، لم يتجاوز عمره الثانية عشرة، اضطرته ظروف أسرته إلى ارتداء الفرهول الأصفر والعمل تحت إدارة عصا «عبدالغفار» الغليظة لمدة 12 ساعة يوميا في جمع المخلفات وتنظيف الشوارع في منى. (المدينة) عاشت على أرض الواقع قصصاً مختلفة لمعاناة مجموعة كبيرة من الأطفال الذين استخدمتهم إحدى الشركات كعمال نظافة في المشاعر لتعويض النقص الذي تعاني منه من العمالة المتخصصة في ذلك المجال. فعمر ذلك الطفل الهادئ، كان وقت الظهيرة يحاول مع احد زملائه ان يجد لنفسه مكانا يستظل فيه من أشعة الشمس المحرقة الا انه كان خائفا يترقب يمينا ويسارا ويختلس الجلوس والاستراحة لبعض الوقت. كنت أراقبه من بعد وأتابع عمله وعندما رأيته جلس في ظل أحد المخيمات اقتربت منهما وجلست بجوارهما فما كان من زميل عمر إلا أن أطلق لساقيه الريح هرباً منا.. لكن عمر تماسك وجلس وبدأ يبادلنا الحديث ويستعرض فصول معاناته بكلمات متحشرجة وصوت مبحوح.. يقول: عمري 12 عاما وأدرس بإحدى مدارس مكة الابتدائية بالصف السادس وأعيش مع أسرتي ظروفا مادية صعبة جعلتني اقبل بالعرض الذي قدم لي أنا وكثير من أصدقائي للعمل في نظافة المشاعر خلال موسم الحج ولمدة 25 يوما بمقابل مادي 1200 ريال فقط. ويلتقط عمر أنفاسه مرة أخرى ويقول: هناك مشرفون علينا من جنسيات غير سعودية يقومون بمراقبتنا ومتابعة عملنا وها هو ذلك الرجل الذي أمامنا هناك أحدهم يستشيط غضباً عندما يرانا نأخذ قسطاً من الراحة أو نحاول حتى اقتطاع بضع دقائق لشرب الماء. اقترب منا ذلك الرجل المرتدي زياً سعودياً ومحتزم الوسط وتظهر عليه ملامح الفظاظة والقسوة ويحمل في يده عصا غليظة طويلة يضرب بها على الأرض من غضبه مما رآه.. بادرته بالسلام فرد علي بلهجة عرفت معها انه باكستاني الجنسية واسمه عبدالغفار، وعندما سألته عن سر حمله للعصا.. ابتسم وقال من أجل تخويفهم فقط وربما استخدمها أحياناً للعصاة منهم. غادرت المكان ولازال عمر ينظر إلي وأنا اقرأ من نظراته حزناً على تلك الطفولة التي اغتال براءتها جشع البعض وتسلطهم وضعف الوازع الديني لديهم وسعيهم وراء مصالح خاصة حتى وإن كان الثمن ذبول زهرة حياة الآخرين. من جهته أكد رئيس الجمعية السعودية لرعاية الطفولة معتوق الشريف أنه لا يمكن تشغيل الأطفال إلا بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة، وقبل ذلك يعد انتهاكاً لاتفاقيات حقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة. وأهاب الشريف بوزارة العمل القيام بجولات تفتيشية على أماكن عملهم ومحاسبة المؤسسات التي تتولى تشغيلهم.