.. تتجّول بين أرفف المكتبات التي تحمل عشرات الكتب المترجمة إلى العربية..والتي كُتبت عليها عبارات مثل((:الكتاب الذي غيرّ حياة الملايين)).((الكتاب الذي يحقق السعادة)) ((انضم إلى الآلاف الذين أعاد هذا الكتاب صياغة حياتهم )) إلى غير ذلك من العبارات الشبيهة وتلقى بعض الأشخاص فيمدح لك كتاباً ما ويجزل عليه الثناء لأنه هداه إلى السبيل الأفضل في حياته.. وفتح له آفاقا أرحب ..وحمل له بين أوراقه أعظم العبر..وكشف له عن الخلطة السرّية العظيمة للسعادة والنجاح. حتى بات يرى أن كاتبه ذو عقل فذّ وعلم غزير ومنطق عظيم أتى بما لم تستطعه الأوائل. وفي ذلك جانب جميل إيجابي .فأن يحرص المرء على التزوّد بالعلم والمعرفة ويبحث في الفكر والتجربة ليجد ضالته فترسو مراكبه على شواطئ يهنأ فيها..ذلك أمر جميل. لكنني أعجب كثيراً لمن يهتم بذلك ويبحث عن الكتاب الأكثر مبيعا أو الذي أشاد به البعض أنه غيّر حياة الآخرين .. ساعياً وراء الحصول على التركيبة السرّية للسعادة والنجاح بين كتاب فلان أوعلاّن..ويغفل عن التنقيب عن غايته والبحث عن ضالته في أعظم كتاب حوى خير الدنيا والآخرة ووضع القواعد العظمى للسعادة والنجاح على وجه الحقيقة لا الاحتمال ..والتي تحقّق للجميع ما ينشدون بخلاف باقي الكتب والنظريات التي قد تنجح نصائحها وتجاربها مع البعض وتفشل مع الآخرين. إن هذا الكتاب الربّاني (القرآن الكريم) يأخذك إلى عوالم أكبر وأكثر عمقا من تلك التفاصيل الأخرى التي نشغل أنفسنا بها. وهو الكتاب الوحيد الذي لا تمّل النفس من تكرار قراءته وتظلّ تنبهر به..وتعيش معه الصمت والتفكّر بين اللحظة والأخرى . إنه الكتاب الوحيد الذي يكشف لنا حقيقة الإنسان والنفس والحياة دون أدنى مجال للشك أو النقد أو احتمال الصحّ أو الخطأ فيما يخبر عنه. إنه الكتاب الوحيد الذي يبهرك ويجعلك عاجزاً أمام نفسك التي مهما بلغت بها في مدارج العلم فقد أوتيت من العلم قليلاً.. إننا – معشر المسلمين – محظوظون بالقرآن الكريم الذي يفتح لنا أبواب الخير والسعادة والنجاح مع كل مرة نفتحه فيها لنقرأه. لكن .. ورغم ذلك..نجد البعض مايزال هناك في عالم التيه يبحث هنا وهناك عمّا يحقق له السعادة أو النجاح من نصائح ونظريات وتجارب ..وما يدعمه بالاستقرار النفسي والاطمئنان إلى أنه يسلك الطريق الصحيحة.. لا يعني هذا أنه لا فائدة من قراءة الكتب الأخرى – كي لا يظن البعض غير الذي أقصد - ولكن التخبّط هنا وهناك والبحث عن دليل للسعادة والراحة النفسية في الحياة يزيد من صعوبة الوصول إليهما.. والقرآن قد اختصر جميع تساؤلاتنا حول السعادة التي نرجوها ومشقة الحياة التي نشكوها ويسود معها نهارنا..ويجافينا بسببها النوم في ليلنا ونندب معها حظنا..ونبكي بسببها أمسنا.. ونخاف بسببها من مستقبلنا.. ونحار في يومنا.. ونتردّد على الطبيب النفسي ..ونسجن حياتنا في قرص حبة دواء نعيش به..ولا تحقق سعادة ولا نحصل على راحة بال.. ولا تخلّصنا من مشقة الحياة ومتاعبها ومشاكلها وآلامها.. وإذا قال لنا قائل:كل الناس يعانون من مشاق الحياة ومصائبها ومتاعبها.. قلنا لكن قدراتنا على تحمّل المصائب و المشاق تتفاوت .ولو تأملنا كتاب الله وما حوى ووقفنا على آياته تفكّر وتأملاً لوجدنا قوله تعالى((لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)) يوضح كيف أن جميع البشر يكابدون في الحياة بلا استثناء ولو وقفنا على قوله تعالى((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا)) لعرفنا أن اعتقاد البعض بأن المصيبة كانت أكبر من القدرة على الاحتمال هي وهم روّجه. البعض لأن الله لا يكلف أحداً فوق طاقته . وأكبر من قدرته على التحمّل . هذه الكلمات الآنفة لطالما ذكرتها وكررتها لكل من طرق بابي يشكو حياته ومتاعبه..وأنه تناول دواء نفسيا لسنوات عديدة لم يفلح في تخفيف معاناته ولا شفاء آلامه ..وما يزال طبيبه يخبره أن نفسه الرقيقة الشفافة لم تتحمل ما ألم بها من متاعب ومصائب..!!. وقد نسى هذا الطبيب وذاك أن الله لا يكلف نفسا إلاّ وسعها.. وأن الإيمان هو طرق النجاة والتمسك بحبل الله والتعلّق القلبي به تعالى هو الدواء لكل داء.. وأن جميع النظريات النفسية والعلمية وجميع الاجتهادات الفكرية والفلسفية لا يمكن أن تعادل كلمة في كتاب الله أو حقيقة. ولو تأملنا كتاب الله وقرأنا آياته بنفس الاهتمام الذي نقرأ به الكتب الأخرى بحثا عن أسباب السعادة والنجاح لضمنا الخير كله ..ولحزنا على الراحة والسعادة التي نلهث وراء سرابها في الكتب الأخرى ..مهما نجحت ..ومهما حققت المبيعات والشهرة والانتشار..