أرجع دعاة ومتخصصون ضعف همة الشباب وعدم جودة اهتماماتهم إلى وجود الفراغ، وإلى المفاهيم التي انتقلت إليهم عبر عملية التنشئة، بالإضافة إلى عدم نقاء هوية المجتمع وتسرب الأنماط السلوكية الرديئة إليه من المجتمعات الأخرى، وحددوا ملامح هذه الظاهرة في كراهية الشباب للقراءة والعزوف عن التفكير، والتهجم على الغير خلال الحديث، ومتابعة آخر صيحات موضة السيارات وأجهزة التليفون المحمول، إضافة إلى الإسراف في الاهتمام بالأخبار الرياضية، «الرسالة» ناقشت الأسباب وطرق العلاج مع الدعاة والمختصين في طيات التحقيق التالي: بداية أوضح المدير الإقليمي بالمنطقة العربية لشركة المراكز العربية المستشار الاجتماعي الأستاذ ماجد الجعيد أن للفراغ دورًا في تنمية داء الاهتمامات بالتفاهة عند شبابنا وفتياتنا، فالفراغ قد يكون نعمة إذا تم استثماره بما يفيد، وقد يكون نقمة ويتحول إلى مفسدة إذا لم يوجه بشكل صحيح واستثمر استثمارًا خاطئًا، وإن أوقات الفراغ إذا لم تشغل بما هو خير ونافع فإنها ستشغل حتما بما هو ضار، وعدم الاستفادة من أوقات الفراغ بشكل مناسب، يؤدي إلى الشعور بالملل والضجر، وقد ينحرف الشاب أو المراهق إلى اتباع أساليب غير مناسبة للتغلب على ما يعانيه من سأم وملل وضجر. دور الوالدين وأشار الجعيد إلى أنه إذا لم يكن الفراغ هو السبب الحقيقي وراء المشكلة، فإن الوالدين يتحملان تبعة ذلك، بسبب مسؤوليتهما المباشرة عن غرس القيم والمبادئ والمفاهيم والسلوك الحسن في الأبناء، وبعض الآباء قد تكون معتقداته عن ذهاب الشاب إلى النوادي الرياضية والاجتماعية والثقافية خاطئة ويعدون ذلك مضيعة للوقت وهنا قد تبدأ المشكلة فلا بد أن تتاح الفرصة للشباب للاعتماد على أنفسهم في الاختيار، ولا نضيق عليهم الخِناق في ممارسة هواياتهم لأن ممارسة الشاب أو الفتاة لهواياته يكسبهما معارف ومعلومات جديدة، بالإضافة إلى مساعدتهما على تحقيق أهدافهما العملية في الحياة، ومجددا أكد أن تنشئة الشاب لها تأثير كبير في كيفية اتجاه الشاب إلى اختيار الطرق التي يقضي بها أوقات فراغه. العادات الغريبة من جانبه أوضح الداعية وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامي بالرياض الدكتور هاشم آل الشيخ أن الكثير منا يقع في فخ التفكير في الاهتمام بصغائر الأمور ولا يلتفت إلى الكبائر لأننا نشأنا في مجتمعات لا هي بالعربية الإسلامية ولا هي بالغربية التي لا دين لها، فانعكس هذا الأمر على مدى استخدامنا لعقولنا والدليل على ذلك أن العربي لا يحب القراءة وكذلك لا يحب التفكير لأكثر من ثوانٍ، وأنه كثيرا ما يعتمد على الآخرين في التفكير له وكثيرا ما يستخدم كلمة «لا» وكثيرا ما يتهجم أثناء الحديث، وهذه عادات غريبة غالبا ما انتقلت إلينا من العقود الماضية، وأيضا لكثرة إدمان الشباب للشاشات والإنترنت. الإغراق في السطحية وبيّن أن السطحية هي صفة واسعة الانتشار بين معظم الشباب وقليلون من استطاعوا الهروب من هذا الداء، وعلى الرغم من وجود هذا العدد القليل إلا أنه لا يفي لنهضة الحضارة العربية الإسلامية من جديد، وهذه الصفة لها أسباب أوجدتها في الأصل، أهمها التربية الخاطئة التي زرعت الفكر الاستهلاكي داخل عقول الشباب والتربية التي زرعت فكرة أن العمل شقاء وليس متعة خُلق الإنسان من أجلها حتى يعمر الأرض، وأن التفكير أيضا شقاء وعلى الإنسان أن يبحث عن الرفاهية التي تعفيه منه، وزاد على التربية التوجه الإعلامي للدول العربية والذي أصبح يسير وراء أهواء المتلقين ليتبنى نمط الجذب بما تريده الغرائز وليس الجذب بالحاجة التي تبني المجتمع، وعلى الرغم من أن كلاهما عنصر جذب، إلا أن الاختيار الثاني يحتاج إلى مجهود إبداعي أكبر، لذا فإن السهل في النهاية هو الذي يكسب، بغض النظر عن أن الجذب الأول يهدم والجذب الثاني يبني، وهذا التوجه بحد ذاته يعبر عن مدى الإغراق في السطحية. وحصر آل الشيخ السمات التي تميز صاحب الفكر السطحي، في الفراغ أو عدم وجود نشاطات متنوعة أو مهمة في الحياة، فالشخص يأكل وينام ويذهب إلى عمله وتلك هي الدائرة التي يدور فيها، والاهتمام بصغائر الأمور، وعدم القدرة على الاستماع للآخرين بإنصات مع كثرة المقاطعة، والانشغال بالدفاع عن النفس وفي بعض الحالات يصبح الدفاع عدوانيا، عدم القدرة على تحمل الاختلاف في الرأي. الطبيعة البشرية من جانبه أرجع المستشار النفسي الدكتور عدنان العقاد التفكير في صغائر الأمور إلى عدة أسباب من أهمها عدم وجود ما يشغلهم في فكرهم وعملهم ولهذا يقوم الشخص بالبحث عن شيء يسليه، ويحاول أن يزيح عنه فراغه فنجده يلجأ للصغائر وذلك لأن طبيعة النفس البشرية تحاول البحث عما هو جديد وجذاب إذا لم تجد ما يشغلها، فنجدهم يهتمون بمتابعة آخر صيحات الموضة في ماركات السيارات وأجهزة الهواتف المحمولة وألبومات المطربين، ولا يهتمون بالأشياء الجيدة التي قد تفيدهم في مستقبلهم وحياتهم، فقط ينحصر جل تفكيرهم في أمور لا فائدة منها سوى الحديث عنها في المجالس التي تجمعهم ببعض طلبا للتسلية وقتل الوقت. وأضاف العقاد أنه من الحري بهؤلاء الشباب أن يحاولوا التفكير جديًا في مستقبلهم والبحث عن الاهتمامات التي قد تفيدهم وألا يضيعوا أعمارهم في الجري وراء الموضات ومتابعة الأخبار الرياضية التي أصبحت تستقطب قطاع كبير من الشباب، رغم علمهم بانعدام فوائدها. ------------------------------------------------------------------------ والشباب يتحفظون ويرفضون التعميم: بداية أوضح الشاب فادي سعيد أن الأمر لا يمكن أن يعمم بهذه الطريقة على جميع الشباب، لأن شخصية البشر تختفي من شخص لآخر وليست جميعها متساوية في الفكر أو حب الشيء، لكن لا يختلف اثنان بأن هناك نسبة كبيرة من الشباب يميلون إلى الاهتمام بتوافه الأمور، التي لا تفيدهم، بل تتراجع بمستوى الانجاز لديهم، وأضاف أن التربية التي يتلقاها الشاب في البيت تلعب دورا كبيرا في تنمية اهتماماته إن كانت إيجابية أم سلبية. ظاهرة موجودة وأشار الشاب مازن العامودي إلى أن ميل شريحة من الشباب إلى ممارسة الاهتمامات غير المجدية، ظاهرة موجودة في كل المجتمعات، وكل الأزمان أيضًا، وبالنسبة لشباب هذا الجيل فالأمر مرتبط بتعود الشباب على الترفيه منذ نعومة أظفاره، ومن هنا تكمن صعوبة الفصل سلوكيًا في اهتماماته، وأضاف أن الشباب يعتقد أن الاهتمامات الجادة لا تحظى بمتابعة المجتمع، والدليل على ذلك المكانة التي يحظى بها نجوم الفن والرياضة. سطحية التفكير من جهته أعرب الشاب عبدالرحمن العبالي عن اعتقاده بأن معظم الشباب والفتيات في هذا الزمان يعانون من محدودية وسطحية التفكير، وانعدام جدية الاهتمامات، حتى الموضوعات التي تروق لهم في الحديث لا تنبئ عن اهتمامات جادة ولا تعود عليهم بالفائدة، ولا نجد من بينهم من يهتم بمستقبله فيفكر في تأسيس مشروع أو يلتحق بعمل جاد كخطوة مرحلية في بناء مستقبله.