أين هم من شباب تلك الأمة الخالدة الذين أبهروا العالم بشجاعتهم ودوّن التاريخ أمجادهم..؟ فأسامة بن زيد ولاّه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة الجيش وعمرة 18 سنة وتوفي الرسول فجعله أبو بكر الصديق قائدًا للجيش كذلك فاستمر وغزا الروم وانتصر، وهذا عمرو بن سلمة كان عمره ست سنين أو سبع سنين وكان إمامًا لقومه يؤمهم في الصلاة لأنه كان أحفظهم للقرآن. أما اليوم -ومع التقدير لفئة مازالت تفاخر بها الأمة- تجد شبابًا وشابات يركزون على المظاهر التافهة، ويلهثون وراء خطوط الموضة الغربية.. ذاك يرتدى بنطلون "طيحنى" يظهر ملابسه الداخلية ويكاد يطيح على الأرض عند أدنى حركة، وأخر كل همه في الحياة امتلاك أحدث "رنات الهاتف" والحصول على أحدث أشرطة المطربين و المطربات الخليعين منهم والخليعات. "الرسالة " حاولت بكل موضوعية مناقشة القضية من كل أبعادها وصولاً إلى معالجة حكيمة لها. فى بداية حديثه أوضح الداعية وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض الدكتور سعد السبر: "إن هناك شبابًا لديهم همّ الدعوة ونشرها للناس، وفي المقابل نرى آخرين لديهم فكر سخيف وهو الاهتمام بالمظهر فقط دون علم أو دراسة أو ما يعود عليهم بالنافع المفيد، وذلك الصنف الأخير عليه أن يعلم بأن المظاهر ليست كل شيء وأن هناك أمورًا أهم وأعمق في الحياة.فهي ليست نظارة أو سيارة أو عطورًا. بل هي الأحدث ولكن الحياة عمل وإنتاج وعبادة دون أن ينسى حظه من الدنيا بالمعروف". من جانبه أوضح الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي الشيخ الدكتور صالح الوهيبي: "أن هناك مجالات أصبح الشباب للأسف الشديد متقوقعًا فيها وهي الاهتمام بالمظهر الخارجي والسيارات وأدوات التجميل كالنظارة والملبس وهذه أمور لا تدل على عمق التفكير وإنما تعود في الأساس لسطحية التفكير والذين ينطبق فيهم قول الشاعر: وتعظم في عين الصغير صغارها ،، وتصغر في عين العظيم العظائم فهذه أمور يجب على الشباب الحذر منها وعدم شغل أوقاتهم بالتفكير بها، لأنها لن تفيدهم بشيء. وبين الوهيبي أن هناك نسبة أصبحت ليست باليسيرة تركض خلف هذه الأمور و في نفس الوقت نسوا أمورًا أهم يفترض عليهم الاهتمام بها وهي هموم الأمة والمعوقات التي تواجهها. من جهته أوضح أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها ومدير مركز البحوث التربوية الدكتور صالح بن علي أبوعراد: أنه وبلا شك في أن جمال المظهر وحسن الهيئة مما تدعو إليه شريعتنا السمحة، وتحث عليه تربيتنا العظيمة التي تميزت بعنايتها الكاملة بمختلف جوانب النفس البشرية من روح وجسم وعقل دونما إفراط أو تفريط، إلا أن هناك كثيرًا من المظاهر الغريبة التي نراها بكل أسف في مجتمعنا، ولاسيما بين فئة الشباب من الذكور والإناث الذين يرتدون ملابس غريبة، ويتزينون بأزياء مضحكة، ويظهرون بمظاهر ساذجة لا ذوق فيها ولا احترام ولا حياء. وأوضح أن ذلك ليس أمرًا عاديًا أن نرى مثل هذه المظاهر الغريبة التي ظهرت بين فئة من أبناء المجتمع في ملابسهم وأشكالهم الخارجية التي لا يشك أحد في أنها أصبحت تشوه جمال مجتمعاتنا العربية المسلمة، ولا تتفق بحال من الأحوال مع أصالته وقيمه ومبادئه السامية التي عرف بها عبر تاريخه. معتبرًا انتشار مثل هذه المظاهر بين فئة دليل على انحراف المفاهيم، وفساد الأذواق، وانتكاس القيم، وقلة الأدب، وفقدان الحياء. وبين أبو عراد أن انتشار مثل هذه الظواهر الاجتماعية السطحية يتنافى بالكلية مع هوية الإنسان المسلم، ولا يتفق أبدًا مع المجتمع المسلم الذي يفترض في أفراده أن يحرصوا كل الحرص على تميزه القيمي والأخلاقي، وخصوصيته المظهرية والشكلية التي تزيده جمالاً وحسنًا وأصالة. وحول انتشارها بيّن أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها: أن مثل هذه الظواهر والتقليعات الغريبة تؤكد أن أفراد هذه الفئة من الشباب البسطاء، الذين لم يكتمل نضجهم العمري ولا الفكري، يحبون التقليد، ويبحثون عن التميز، ولم يجدوه (لسفاهتهم) إلا في تقليد الآخرين ممن يسميهم الإعلام الهابط نجومًا، فهم يقومون بتقليد ما يرونه ليلفتوا الأنظار إليهم، وهذا (بلا شك) عجز واضح في قدراتهم، وقصور ملحوظ في تفكيرهم، وخلل بيِّن في تربيتهم. يضاف إلى ذلك أن كثيرًا من هؤلاء المقلدين السذج يظنون أن ما يقومون به من تصرفات رعناء وسلوكيات مرفوضة إنما هي من علامات التقدم والرقي والتطور الحضاري، وهم لا يعلمون أن ذلك كله تبعية مقيتة، وانسلاخ وانهزامية لا يقدم عليها إلا محدودي الفكر وضائعي الهوية. وأوضح أن هناك سببًا رئيسًا في انتشار هذه الظاهرة وما شابهها، ويتمثل في وجود مساحة واسعة من الحرية (غير المنضبطة) عند أفراد هذه الفئة من الذكور أو الإناث، فلا عناية ولا اهتمام بهم من الأسرة، ولا متابعة لهم من الآباء والأمهات، ولا توجيه ولا إرشاد يجدونه في المدارس وغيرها من المؤسسات المجتمعية الأخرى، ولا رقابة اجتماعية تحد من انتشار هذه المهازل التي تضحك و تبكي في الوقت نفسه، ولا توعية لهم من مخاطر الانزلاق والانجراف في مثل هذه التيارات الوافدة التي ابتلي بها مجتمعنا في عصر الانفتاح العالمي اقتصاديًا وإعلاميًا وفكريًا فكانت النتيجة هذه المظاهر السطحية الرعناء التي ينطبق عليها قول القائل: شر البلية ما يضحك.
---- والشباب بيّنوا نظرتهم لقرنائهم.. وعن رؤية بعض الشباب لهذه الظاهرة يرى مهند إسماعيل أن مسألة الاهتمام بالمظهر والملبس، وكذلك شراء المقتنيات الجميلة والفارهة لا تعد من التفكير السطحي: "هذه الأمور إن لم أقم بها يعتبرونني متخلفًا..هذه مكملات لكل إنسان، ولكن للأسف البعض يعدها من الأمور الأساسية التي تشغل معظم وقتهم وتفكيرهم.. وهنا تكون التفاهة". من جانبه قال الشاب خالد سالم إن هناك نسبة كبيرة جدًّا من الشباب هدفها الرئيسي المظهر فقط، في جميع الأمور وليس في ظروف معينة، فأصبح كل هدفهم التفكير في الأمور السطحية وغير النافعة، مع عدم اهتمامهم بالأمور التي تفيدهم كأداء العبادات والاجتهاد في الدراسة والعمل وغيرها.