(استهلال) يخوض منتخبنا الوطني اليوم لقاء هاما أمام المنتخب التايلندي في التصفيات المؤهلة لكأس العالم,ربما تحدد نتيجتها نسبة حظوظنا في التأهل لمونديال البرازيل القادم..وكانت الأيام السابقة قد شهدت لغطا كثيرا حول هذا المنتخب الذي يسير الآن بقيادة فنية من الهولندي ريكارد.تحدث البعض عن أخطاء التشكيل,وذهب البعض الآخر لأهمية عودة اللاعب محمد نور في هذه المرحلة الحاسمة.كان آخرون يرون أننا نعيش الوهم مع أسطورة الاسم الهولندي البرشلوني,في حين يذهب الآخرون(الجدد) في الاتجاه الآخر,وهم يحملون لاعبينا القصور في فهم الفكر الكروي(العالي) لدى المدرب..! (رؤية) أزعم أن معظم هذه التأويلات تجوس في حمى العاطفة,وتقترب من حد(التسطح),وتكتب مفرداتها على أجنحة السرعة!..أنا أنظر إلى الأمور بشكل أكثر تعقيدا(مستميحكم التماس العذر)..فالأداء الفني الآني لمنتخب الوطن لايقنع قليلا أو كثيرا,ولا يطمئن متلقيه على نتائج مشرفة ستتحقق,و(بالعقل)فليست تلك مستويات الفرق الكروية المتأهلة لأكبر وأهم الفعاليات الرياضية العالمية(حتى ولو تجاوزنا منتخب تايلند بنتيجة باردة أو محايدة!)..وبزعمي أن ثلاثة عوامل رئيسة أفضت إلى ذلك الخلل البين وقادت إلى تلك النتائج: (سبب أول) عدم الاستقرار..فهل ننتظر بزوغ حضارة ما من قوم استمرأوا الترحال والتنقل؟أليس النضج المعرفي والبناء الحضاري (نتاجين) طبيعيين للاستقرار الانساني(المدني)؟هل يمكن مطابقة حالة منتخبنا المحلي (لكرة القدم)على صورة هؤلاء(البدو)الرحل عبر متاهات الصحراء ومتغيراتها؟فمن متابعتي للحالة الادارية والفنية والعناصرية لمنتخبنا/الحلم خلال خمس سنوات فقط تخلقت أمامي دهشة حارقة للتلقي,وأنا أقرأ وأرى كل هذا العدد الهائل من المدربين والاداريين واللاعبين..!فقد تعاقب على إدارة المنتخب الفنية خمسة مدربين خلال هذه الفترة القصيرة(بمعدل مدرب لكل عام)واثنان وتسعون لاعبا!!هل لكم أن تصدقوا هذا العدد العجيب؟(92)لاعبا في(5)سنوات؟!إذ توالى اثنا عشر حارس مرمى على حماية العرين الأخضر..وهم للتدليل(الدعيع ومبروك زايد وشريفي وخوجة ووليد عبدالله والمسيليم وعساف القرني ومنصور النجعي وخالد شراحيلي وحسين شيعان وحسن العتيبي),علما بأن مركز الحراسة في الفرق والمنتخبات العالمية لايتغير لاعبوه كثيرا(إلا عند إصابة الحارس الأساسي)بل أن بعضهم يعمر بجوار شباك الملاعب حتى يتجاوز الأربعين!..وتستمر الأرقام الفلكية على هذا المنوال(مركز ظهيري الجنب18لاعبا,وقلب الدفاع13لاعبا ولاعبي الوسط 30لاعبا ورؤوس الحربة المهاجمين18لاعبا)!لدرجة أنني تخيلت أن كل لاعبي فرقنا المحلية مروا على تشكيلة المنتخب,بل أن بعضهم-إمعانا في عشوائية الاختيار-قد ترك الكرة بعد انقضاء مهمته الوطنية(على الفور),والبعض الآخر انتقل لأحد الفرق المتواضعة بأبخس الأثمان,إلى أن تجاهله الاعلام ونسيه الجمهور,فالمسألة كان يحكمها(الاستعجال)و(الموقف) إلى آخر مدى, وبالضرورة فإن التغيير الدائم لعناصر المنتخب يفقده الانسجام الجماعي الذي يتكفل بتحقيق المخرجات المنشودة..كيف يكون الحال الأدائي لوسط أي فريق تتغير عناصره الأربعة(غالبا)بمقدار ثمانية أضعاف,خلال فترة زمنية قصيرة وبطولات كروية محددة؟ (سبب ثان) ويتجلى ثاني الأسباب من خلال دموع اللاعب الكوري الشمالي(جونغ)-هل تتذكرونه-في مباراة له ضد منتخبنا..تلك الدموع التي نفتقدها بالكلية أو (حتى)بالجزئية في لاعبي منتخبنا الوطني,رغم اقتناعي بولائهم وصدق انتمائهم..دموع (جونغ) كانت تنهمر بغزارة أثناء عزف النشيد الوطني لبلاده..أي قبل أن يضطرم الجو بحميا العراك,وقبل تحقيق الفوز المنتظر,ليفصح ذلك المشهد وتجلياته المتنوعة-التي نراها في أعين لاعبي منتخبات وفرق ما,عندما تستبد بهم رغبة جارفة في تحقيق شئ ذي قيمة لكرتهم ووطنهم-عن تجليات إنسانية مفعمة بالوطن تاريخا وانسانا وحضارة حد الوجع والبكاء,وشعور جمعي بمسؤولية المهمة..وبالتالي فإن غياب هذه الروح الوطنية المفعمة برائحة الأرض وعطاءات الانسان يقود إلى مشهد فارغ تكون فيه المنافسات الرياضية مجرد(كورة)وبس!! (سبب ثالث) أما ثالث الأسباب فهو غياب (الأساس الصحيح) الذي يمكن أن ينهض ببناء(فاخر) متعدد الأرجاء!نريد أن يكون منتخبنا حاضرا في كل البطولات والاستحقاقات ونحن لم ندفع ثمن تلك الرغبة الحالمة,ابتداء من إهمال الدور-الذي يمكن أن يكون فاعلا ومؤثرا- للرياضة المدرسية التي تقتصر ممارستها على»خذوا الكرة..والعبوا» فلاتتوفر على الاطلاق التجهيزات التي يستفيد منها الراغبون في بناء أجسامهم بناء رياضيا صحيحا,وليس في أجندة معلمي هذه المادة الدراسية عطاءات معينة تعلم الناشئة وتصقل مهارات الموهوبين.. فاثنا عشر عاما لاتقدم لطلاب المدارس شيئا ذا بال فيما يختص بالرياضة وتداعياتها,وبالاضافة إلى إهمال دور الرياضة المدرسية ثمة إهمال آخر للأكاديميات والمدارس الرياضية,التي يمكن أن تنهض بعناصرها على مسارات صحيحة,تنتهي بتمثيل الفرق والمنتخبات الأولى.نجد بين الحين والآخر بعضا من أطياف تلك البيئات الممهدة لإنتاج الموهوبين والأكفاء الذين سيتكفلون يوما من الأيام بمسؤولية الرياضة في بلدانهم,من قبل بعض الأندية(الغنية), ولكن المشهد لايتكرر كثيرا,كما إن المؤسسة الرياضية الكبرى في بلادنا لاتولي هذا الأمر العناية المستحقة,وقس على ذلك المنتخبات السنية ولاعبي درجة البراعم والأشبال والناشئين.. لايمكن-بأي حال-استقامة الظل والعود أعوج,وليس بالامكان أن ننتظر من كبار العناصر الممثلة لمنتخباتنا إنجازات مستمرة و قد أهملناهم صغارا!لايمكن أن نجد فرقة من أحد عشر لاعبا للإبهار والأداء الراقي المشرف,ونحن لم نبحث عنهم مبكرا ولم نخطط من أجلهم كثيرا.. أبدا..فإن الوضع سيظل مزعجا ومؤرقا مادام أننا نبدأ دائما من النهايات المترهلة!