لا تزال الأصداء تتفاعل مع قرار خادم الحرمين الشريفين بعضوية المرأة بمجلس الشورى والمجالس البلدية، هذا الترحيب العريض والواضح لم يأتِ من المرأة فقط، كما لم يأتِ من الرجل كتهنئة فقط باستحقاقاتها الجديدة، وإنما بتأكيد الجميع، وفي مقدمتهم المسؤولون في الوزارات والجامعات، وشخصيات المجتمع على أهمية الخطوة لتفعيل دور نصف المجتمع، والذي لا يجب أن يتعطّل، أو يتأخّر، ولا يستمر الوضع على ما هو عليه أكثر من ذلك، طالما أن الضوابط تحسم كل شيء. فالتخندق خلف المخاوف يعطّل التطور، ويفاقم التحديات، بل يعرقل أي تفكير في الحلول، ولو افترضنا (تخيلاً) أننا لازلنا أسرى المحاذير والمخاوف قديمها وحاضرها، لما تعلّمت المرأة السعودية، وتعلمت بناتنا اليوم، ولما كان ابتعاثها، ولما وجدنا كفاءات عالية في شتى التخصصات.. ولو تمسّكنا بهواجس سلبيات العولمة لما استفدنا من إيجابيات عصر المعلوماتية، وثورة المعلومات في الدعوة والإعلام والتعليم والحياة.. فالإشكالية المتجددة دائمًا هي ازدواجية نظرتنا، رغم أن الواقع تجاوز ذلك أمام منطق الأشياء بأنه لا غنى عن دور المرأة طالما كان مناسبًا، وتحقيقه بالتنظيم والضوابط وليس الرفض. اليوم لدينا أجيال من المبتعثات إلى مختلف دول العالم مثلها مثل الطلاب في تخصصات تطبيقية، والعلوم المتقدمة، ولدينا جامعة عملاقة نموذجية للبنات، وهي «جامعة الأميرة نورة»، وعشرات الجامعات تؤدي رسالتها لشطريها من الطلاب والطالبات، والتوسع مستمر في تخصصات التعليم العالي الحكومي والأهلي ممّا يحتاج إلى المزيد من حاملات شهادات الدكتوراة والماجستير من الداخل والخارج، ولو لم يتم الابتعاث بهذه الأعداد في برنامج خادم الحرمين الشريفين لواجهنا تحديات يصعب حلها إلاَّ بالتعاقد الخارجي، ونحرم بنات الوطن من هذا الدور العلمي العظيم، ونضم عشرات الآلاف منهن في قائمة البطالة!. وعود على بدء لأقول: إذا كانت الأبواب أصبحت مشرعة لمشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية، وستشارك في مناقشة مشاريع القرارات المتعلقة بالتنمية الشاملة، فإن العديد من قطاعات الدولة مدعوة اليوم لاستلهام روح هذه الخطوة، وما أكد عليه ولي الأمر أن (التحديث المتوازن والمتفق مع قيمنا الإسلامية التي تُصان فيها الحقوق، مطلب مهم في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين)، ورفضه -حفظه الله- تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية. وإذا كانت المرأة ستدخل عضوية الشورى، وستشارك في الانتخابات البلدية التالية وفق الضوابط التي سيتم تحديدها، لتقدم برنامجها كمرشحة، وسيصوت لها رجال ونساء تمامًا مثل المرشحين، كما أنها ستمارس حقها كناخبة في اختيار مرشحتها، أو مرشحها، ألا تستحق الأكاديميات عضوية المجالس الاستشارية بجامعاتنا لتقدم نموذجًا آخر مضيئًا ومحترمًا؟! الواقع يقول إن الأكاديميات السعوديات يتحمّلن مسؤولياتهن بجدارة واقتدار وكيلات لشؤون الطالبات والعمادات، وخبرات في مختلف المهام الإدارية، لكن الملاحظ غياب مشاركة الأكاديميات في تشكيل المجالس بمعظم الجامعات، وهذا يعني أن الرجل هو الذي لا يزال يقرر ويقيم دون النظر لحاجة هذه المجالس إلى مشاركة المرأة، خاصة وأن الجامعات تؤدّي رسالة علمية عظيمة، وتتخذ قرارات تمس الطالبة والطالب على السواء في البناء والتأهيل العلمي لخدمة تنمية المجتمع بالمفهوم الشامل. الاستثناء الناجح في هذا المجال أراه في جامعة الملك عبدالعزيز، وبعض الجامعات، من خلال مشاركتهن في مجالس العمداء الاستشارية، بل أكثر من هذا حرص الجامعة على مشاركة الطلاب والطالبات، والاستماع لأصواتهم باعتبارهم الهدف الأول لرسالة الجامعة.. أيضًا المجالس العلمية بمهامها الدقيقة في إصدار قرارات هامة من الضروري أن تخطو جامعاتنا صوب تفعيل المشاركة النسائية للمتخصصات والكفاءات، وتحديد الأسلوب الأمثل لهذه المشاركة عبر تقنيات التواصل، أو التنظيم المكاني والبيئة المناسبة. مجال آخر هو المؤتمرات العلمية في العديد من جامعاتنا لا تزال تهمش دور الأكاديميات والباحثات، وربما المؤتمرات الطبية أسبق وأكثر موضوعية في هذا الشأن حرصًا على مواكبة الأطباء والطبيبات لتطورات العلوم الطبية، باعتبار رسالتهما الإنسانية واحدة، وأتصوّر أن صروح التعليم العالي، والبحث العلمي أحق بهذه المساواة إن أردنا الاستفادة من الخبرات، وأحسنا التنظيم لاستثمار نصف المجتمع في أي مجال ينتظر دور المرأة السعودية. [email protected]