قرار تاريخي لقيادة فذّة، ونحن نحتفل باليوم الوطني، حيث أعلن خادم الحرمين الشريفين مشاركة المرأة السعودية في مجلس الشورى كاملة العضوية، ابتداءً من الدورة المقبلة في العام الجديد بعد أشهر معدودة، وأيضًا حقّها بالترشح لعضوية المجالس البلدية، وحقها في اختيار المرشحين كناخبة في هذه المجالس. القراران بكل المقاييس جاءا بشرى سارة، ومفاجأة سعيدة، استقبلها الشعب السعودي، والعالم بترحيب وتقدير، وخاصة المرأة واستحقاقها في المرحلة الجديدة، بعد أن حجز لها الملك -حفظه الله- مقعدها تحت قبة مجلس الشورى، وفي المجالس البلدية ترشحًا وانتخابًا من الدورة المقبلة، وبذلك تدخل المرأة السعودية العمل العام من أبوابه الواسعة لخدمة وطنها. كنتُ سأكتبُ هذا الأسبوع عن الانتخابات البلدية التي يفصلنا عنها ساعات بشأن ما نتمناه من دور أكثر إيجابية لهذه المجالس بعد تجربة الدورة الأولى التي سجل عليها المواطن ملاحظات سلبية كثيرة، وكانت أقوالاً أكثر منها أفعالاً، ولم تتجاوز في معظمها الشعارات الانتخابية، وغياب المجالس تجاه أخطاء وتجاوزات في مشاريع كثيرة تسبب تأخيرها وإهمال الرقابة فيها في أخطار وإهدار أموال طائلة. كنتُ سأتحدّثُ عن ذلك وغيره من الجوانب حتى صدر القرار التاريخي من خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- عن دخول المرأة عضوة بمجلس الشورى، وكذا الترشح والتصويت في المجالس البلدية في الدورة المقبلة، وهذا القرار يؤسس لمرحلة مهمة في مسيرة الوطن تفتح آفاقًا أوسع، ومجالات عملية حقيقية للمواطنات في العمل العام، ممّا يستلزم من كل المجتمع ضرورة تفعيل هذه المرحلة لاستثمار عقول وجهود نصف المجتمع في التنمية الحقيقية، وما نتطلع إليه في المستقبل. دخول المرأة لعضوية مجلس الشورى من شأنه الإسهام في تحقيق التوازن المنشود، والتكامل في استثمار جهد وفكر المواطن والمواطنة على السواء، فوجود المرأة تحت قبة الشورى بعضوية كاملة سيفيد التنمية بشكل عام، وما يخص قضايا المرأة وهي نصف المجتمع بشكل خاص، فبلادنا تزخر بكفاءات نسائية متميّزة في العلم والخبرة والرأي والمسؤولية داخل الوطن، ويتجلّى ذلك بوضوح في مواقع مختلفة بالعمل العام في هذا العهد المبارك، وها هي تقلدت مناصب نائبة وزير، ومديرة جامعة، وعميدات، ورئيسات أقسام، وأكاديميات، وتنفيذيات في مواقع عدة، وسيتعمق هذا الدور من خلال ما ينتظر من المبتعثات العائدات من الخارج في مختلف المواقع العلمية والعملية. وعالمات وأعلام نسائية سعودية عالمية في منظمات دولية بالخارج. لقد حدد الملك -حفظه الله- منطلقات رؤيته الحكيمة والرائدة للتطور بقوله: (إن التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تُصان فيها الحقوق، مطلب هام، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين). ومن هنا فإن المبادرة السامية بشأن عضوية المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية هو استجابة تاريخية لدعوات وتمنيات في السنوات الأخيرة، وجاءت البشرى عظيمة ودفعة واحدة، ومع أنها مفاجأة إلاّ أنها ليست مستغربة من زعيم يقود شعبه، وسفينة الوطن بحكمة بالغة، وقرارات متقدمة متلاحقة، تؤكد المكانة العظيمة لهذا الشعب في قلب مليكه العامر بالإيمان، والاستجابة المتزنة لسنن التطور، وحبه العميق لشعبه الوفي، وكل ما فيه صالح هذا الوطن وأبنائه المواطنين والمواطنات، ولهذا أنعم الله علينا بالتلاحم، والوحدة الوطنية، وحكمة الإصلاح المتزن الجاد والهادف الذي يأخذ بأسباب التطور، وفق ثوابت الشرع الحنيف. إن المرحلة المقبلة فيما يتعلق بدور المرأة ستشهد -بإذن الله- انطلاقة حيوية تستوجب الاستعداد، ليس من المرأة فقط، بل من كل المجتمع لإنجاح هذه المرحلة باستثمار دور نصف المجتمع برؤية مستقبلية وفق الضوابط الشرعية، تجاه قضايا التنمية والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، وننتظر في الدورة المقبلة أن يكون صوت المرأة في مجلس الشورى معبّرًا عن مختلف القضايا مع شقيقها الرجل، وكذا في المجالس البلدية، وهل ننسى هذا المشهد المحترم لإحدى المواطنات بشرق جدة إثر السيول الأخيرة، عندما التقت سمو الأمير خالد الفيصل أمير المنطقة خلال جولته التفقدية، وشرحت له باقتدار واحترام وصراحة معاناة سكان تلك الأحياء، واستمع لها سموه بإنصات وتقدير؛ ممّا يدل على أن نصف المجتمع (يستاهل) هذا الاستحقاق والتكريم؛ ليسهم بالخير والأفضل لهذا الوطن. كل عام ووطننا الأفضل والأزهى. [email protected]