الأطراف التي ينفرد بها كل راوٍ وحده لا نصححها إلا إذا جاء معها هذا العدد من الروايات الكثيرة رواة هذا الحديث لم يذكروا افتراق النصارى وبعضهم لم يذكر (أو اثنتين وسبعين فرقة) وهذا اختلاف يسير لا يؤثر في صحة اللفظ المذكور ذكر الشيخ محمد بن الحسن الددو في ملحق صحيفة المدينة «الرسالة» الصادر يوم الجمعة السابع من شهر شعبان عام 1432ه: أن حديث افتراق الأمة: (إنما يصح أصله بشواهده، وليس له أية رواية صحيحة لذاتها، إنما يصحح الأصل بالشواهد، والشواهد لا تشهد لأطراف الحديث، فالطرف الذي [هو] (كلها في النار إلا واحدة) لا يصح، مثل الطرف الذي فيه (كلها في الجنة إلا واحدة) لا يصح أيضًا. وما يصح هو (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) هذا القدر الذي يصحح بالشواهد لأنه كثر من رواية عدد كبير من الصحابة؛ فلذلك كان له أصل متين فصححنا هذا القدر، أما الزيادات وهي الأطراف التي ينفرد بها كل راوٍ وحده فلا نصححها إلا إذا جاء معها هذا العدد من الروايات الكثيرة، ولم يأت لهذه الأطراف؛ ولذلك لا تصحح أطراف الحديث المختلفة، وإنما يصحح أصل الحديث المشترك بين كل هذه الأحاديث) انتهى كلامه. ولفظ (كلها في النار إلا واحدة) قد ذكر في أكثر روايات الحديث أو في جميعها إلا رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- ؛ فلم ينفرد به راو وحده، وفيما يأتي بيان ذلك: 1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أخرجه أبو داود (2 / 503 - طبع الحلبي)، والترمذي (3 / 367)، وابن ماجه (2 / 479)، وابن حبان في «صحيحه» (1834)، والآجري في «الشريعة» (ص 25)، وأحمد (2/ 332) وأبو يعلى في «مسنده»، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1 / 217) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة). قال الترمذي: «حديث حسن صحيح». وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: على شرط مسلم. ومحمد بن عمرو هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص روى له مسلم متابعة، ولخص الحافظ ابن حجر كلام النقاد فيه بقوله: (صدوق له أوهام). وهذا الحديث ليس منها؛ لأن له شواهد كثيرة، كما سيأتي. وبعض رواة هذا الحديث لم يذكر افتراق النصارى، وبعضهم لم يذكر (أو اثنتين وسبعين فرقة)، وهذا اختلاف يسير لا يؤثر في صحة اللفظ المذكور.. فإسناد حديث أبي هريرة حسن، ومتنه صحيح بشواهده. 2- حديث معاوية -رضي الله عنه-: أخرجه الإمام أحمد (4 /102 رقم 16979)، (28 / 134)، (34 / 292)، وابن أبي عاصم في السنة (1 / 4)، (1 / 76)، وفي المذكر والتذكير والذكر (1/ 84)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 108)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1 /154)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1 / 218)، من طرق عن صفوان بن عمرو السكسكي، قال: حدثني أزهر بن عبدالله الهوزني الحرازي عن أبي عامر عبدالله بن لحي الهوزني قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة (يعني الأهواء) كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به. وقال الحاكم وقد ساقه عقب حديث أبي هريرة المتقدم: هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (ص 63): وإسناده حسن. قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (ح 204): وإنما لم يصححه؛ لأن أزهر بن عبدالله هذا لم يوثقه غير العجلي وابن حبان، ولما ذكر الحافظ في «التهذيب» قول الأزدي: يتكلمون فيه، تعقبه بقوله: لم يتكلموا إلا في مذهبه. ولهذا قال في التقريب: صدوق، تكلموا فيه للنصب. وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: إسناده حسن، وحديث افتراق الأمة منه صحيح بشواهده. 3- حديث عبدالله بن سلام -رضي الله عنه-: قال أبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة عقب حديث معاوية بن أبي سفيان: أخبرنا هوذة بن خليفة، قال: حدثنا عوف يعني ابن الأعرابي عن زرارة ابن أبي أوفى عن عبدالله بن سلام، قال: لما ورد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وذكر الحديث... ورجال إسناده ثقات، ولكن أبا زرعة أحال لفظه إلى حديث معاوية، ولم يذكره. 4- حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أخرجه الحاكم في المستدرك (1 / 218)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1 / 151) من طريقين عن عبدالرحمن بن زياد عن عبدالله بن يزيد عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل، حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية؛ كان في أمتي مثله. إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلها في النار إلا ملة واحدة، فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي). وعبدالرحمن بن زياد بن أنعم -بفتح أوله وسكون النون وضم المهملة- الإفريقي؛ قاضيها؛ ضعيف في حفظه، وكان رجلاً صالحًا. 5- حديث أنس -رضي الله عنه-: أخرجه ابن ماجه في السنن وابن أبي عاصم في السنة عن هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، قال: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة ؛ كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة). وفي هذه الرواية أن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة)، وهذا يخالف رواية (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة). قال الألباني: (ولحديث أنس طرق كثيرة جدًا تجمع عندي منها سبعة، وفيها كلها الزيادة المشار إليها، مع زيادة أخرى يأتي التنبيه عليها). يعني بالزيادة المشار إليها: زيادة (كلها في النار إلا واحدة)، ويعني بالزيادة الأخرى ما ورد أن الصحابة (قالوا: وما تلك الفرقة؟ قال: من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وقد أخرجها الطبراني في المعجم الأوسط (8 / 22 برقم7840) قال: حدثنا محمود (ابن محمد الواسطي) قال: حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا عبدالله بن سفيان عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تفترق هذه الأمة ثلاثة وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة، قالوا: وما تلك الفرقة؟ قال: من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي). وفيه عبدالله بن سفيان المدني ثم الواسطي، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، حدثنا أسلم بن سهل قال: حدثنا جدي وهب بن بقية قال: حدثنا عبدالله بن سفيان عن يحيى بن سعيد عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: (تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا فرقة واحدة، ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وإنما يعرف هذا بابن أنعم الإفريقي عن عبدالله بن يزيد عن عبدالله بن عمرو. انتهى. ولم يبين لماذا لا يشهد أحدهما للآخر؟! وقد قال الطبراني عقب روايته لهذا الحديث: (لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا عبدالله بن سفيان المدني وياسين الزيات)، وياسين الزيات ضعيف منكر الحديث، وقد قلب متنه. قال العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير في ترجمة معاذ بن ياسين الزيات: (عن الأبرد بن الأشرس، رجل مجهول، وحديثه غير محفوظ- حدثنا محمد بن مروان القرشي قال: حدثنا محمد بن عبادة الواسطي قال: حدثنا موسى بن إسماعيل الجبلي قال: حدثنا معاذ بن ياسين الزيات قال: حدثنا الأبرد بن أبي الأشرس، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تفرق أمتي على سبعين أو إحدى وسبعين فرقة، كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة، قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: الزنادقة وهم القدرية). ثم قال: حدثنا الحسن بن علي بن خالد الليثي قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن ياسين الزيات، عن سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا فرقة واحدة، وهي الزنادقة). هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة، ولعل ياسين أخذه عن أبيه، أو عن أبرد هذا، وليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى بن سعيد ولا من حديث سعد). قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان في ترجمة معاذ بن ياسين الزيات بعد أن ذكر ما قاله العقيلي: (وقد تقدم في ترجمة خلف بن ياسين بن معاذ أن ابن عدي أخرجه من رواية موسى بن إسماعيل فقال: حدثنا خلف بن ياسين فذكر ما تقدم في خلف، ورويناه في جزء الحسن بن عرفة عن ياسين بن معاذ الزيات عن يحيى بن سعيد، وله طريق أخرى عن ياسين، فقال تارة عن يحيى وسعيد، وتارة عن سعد بن سعيد، وهذا اضطراب شديد سندًا ومتنًا، والمحفوظ في المتن: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قال: وما تلك الفرقة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهذا من مثله مقلوب المتن، والله أعلم) فوصف العكس بالمحفوظ.