لقد تعلمنا من القرآن الكريم الإيجاز والإعجاز مع سهولة العبارة في اللفظ والحفظ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ)، ولو تتبعت تفسير القرآن بتمعن لوجدت البلاغة المؤثرة واللغة الفصيحة في ظاهره والأسرار والحكمة البالغة في باطنه وهنا سنبحث مستعينين بالله عن معنى قوله تعالى في سورة القدر: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر)، وهذه العبارة وصف لليلة القدر، وذلك بعد أن أخبر الله أنه أنزل القرآن في هذه الليلة. قال ابن كثير رحمه الله: (تنزل الملائكة) أي يكثر نزولهم لكثرة بركتها، فيتنزلون بالرحمة مع تنزل البركة ويتنزلون عند قراءة القرآن ويحيطون بحلق الذكر ويضعون أجنحتهم لطالب العلم الصادق تعظيماً له، أما الروح فالمراد به جبريل عليه السلام، وقوله: (سلام هي حتى مطلع الفجر) أي سالمةُ لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء أو أذى وتقضى فيها الأمور وتقدر فيها الآجال والأرزاق كما قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وقيل إن الملائكة تمر على المصلين في ليلة القدر فتسلم عليهم.. انتهى كلامه. أما معنى كلمة (الروح) فقد قال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: والروح هو جبريل عند جمهور المفسرين أي: تنزل الملائكة ومعهم جبريل، ووجه ذكره بعد دخوله في الملائكة التعظيم له والتشريف لشأنه وقيل الروح: هم صنف من الملائكة هم أشرافهم، وقيل: هم جند من جنود الله من غير الملائكة، وقيل الروح: الرحمة. أ،ه، والمراد بالمعنى الأخير الرحمة: أي: الرحمة تنزل على أرواح المؤمنين والله أعلم. متى تكون ليلة القدر؟ روى مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ليلة سبعٍ وعشرين) وقد تواتر على رواية هذا الحديث ابن عباس وابن عمرٍ ومعاوية رضي الله عنهم، فهو من المتواتر وهو أصح الصحيح. ومما يؤكد ذلك: محاولة بعض السلف استخراج كونها ليلة سبع وعشرين من القرآن من قوله تعالى: (هي) لأنها الكلمة السابعة والعشرون من السورة والله أعلم. وقال بعض العلماء: إنها في الليالي الأوتار من العشر الأواخر من رمضان ودليلهم حديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر في العشر البواقي من رمضان من قامهن ابتغاء حسبتهن فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر: تسع، سبع، خامسة، أو ثالثة) وقال ابن باز رحمه الله: إن ليلة القدر غير ثابتة تتنقل في الليالي الآحاد من العشر الأواخر، أ،ه، وهذا قول ظاهر ولكنه غير مؤكد والصحيح أنها ثابتة، فلو افترضنا تنقلها لجاز أن تكون في ليلة من غير ليالي الآحاد وهذا خلاف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أما علامات ليلة القدر فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجةٌ كأن فيها قمراً ساطعاً ساكنةً ساجيةً لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمي به حتى يصبح) إن أمارتها (أن الشمس صبيحتها تخرج مستويةً ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ) وهذا الحديث إسناده حسن. نسأل الله السلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر، كما نرجو منه جل وعلا أن يقدر لنا في ليلة القدر من كل عام كل خير وأن يعصمنا فيها من كل سوء، ونسأله العلم النافع والعمل الصالح والرزق الطيب المبارك والتوفيق فيما يرضيه في الدنيا والهداية للصراط المستقيم المؤدي إلى الجنة في الآخرة، والله أعلى وأعلم وأجل وأحكم وصلى الله على سيدنا محمد. ماجد آل هديه الغامدي - جدة