هل ثمة علاقة بين الربيع العربي الذي هزت أحداثه المنطقة هذا العام وبين هجمات 11 سبتمبر التي زلزلت العالم بأسره ؟ وهل ما يعيشه الشرق الأوسط اليوم هو أحد توابع 11 سبتمبر ؟ السيد عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية السابق والمرشح المحتمل لرئاسة مصر والفريق محمد على بلال المرشح المحتمل للرئاسة واللواء أركان حرب علاء عز الدين منصور الخبير الاستراتيجي والمدير السابق لمركز الدراسات الإستراتيجية بالقوات المسلحة والدكتور هاني رسلان رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام ..اختلفوا في إجاباتهم على هذا السؤال ،فمنهم من يذهب إلى الرفض المطلق للربط بين الربيع العربي و 11 سبتمبر بمبررات يراها موضوعية ومنها الفاصل الزمني الكبير بين الحدثين حيث يفصلهما عشر سنوات وهى فترة زمنية طويلة نسبياً لإلحاق حدث حالى بحدث سابق واختلاف المبررات والظروف والعناصر الفاعلة فى الحالتين .. ومن المتحدثين من اعتبر الربط تسطيحاً للحقائق يفقد الثورات العربية شرعيتها الوطنية وينسب ما جرى إلى أطراف خارجية مع الاعتراف بوجود متفاوت للدور الخارجى بين الثورات ..وفريق ثالث يعتبر أحداث الربيع نتيجة حتمية لما لحق بأحداث 11 سبتمبر من ضغوط أمريكية على الأنظمة العربية التى طال الربيع العربى دولها وإشراكها قسراً فيما سمى ب «الحرب على الإرهاب»مما أدى فى النهاية إلى خلق حالة من الرفض الشعبى لهذه الأنظمة تنامت مع استجابتها للضغوط الأمريكية ..وفيما يلى تفاصيل رؤية موسى وبلال وعز الدين ورسلان لهذه العلاقة.. تداخل العناصر يقول السيد عمرو موسى : هناك قاعدة عامة فى السياسة الدولية وهى تداخل العناصر المحلية مع العناصر الأخرى فى التفاعلات السياسية ولا يوجد تفاعل سياسى واحد يجرى فى العالم دون ان يؤثر أو يتأثر بالتفاعلات الدولية والإقليمية المحيطة ،ولا يوجد فعل سياسى يتم فى جزيرة معزولة والعالم بات قرية كبيرة بفعل الثورة التكنولوجية ،وعليه نحن أمام حادثين مهمين فى السياسة الدولية وكلاهما اثر ويتأثر بالمكونات المحلية والدولية ،و11 سبتمبر كان حدثا كبيرا وخطيرا على السياسة الأمريكية والخارجية وانعكس بحكم تأثير الولاياتالمتحدة على مستوى العالم ولا نكون مبالغين إن قلنا انه كان المحدد المحورى فى السياسة الدولية وخلق بيئة معادية للعرب والمسلمين داخل الولاياتالمتحدة وكل أوربا بعد أن بات يوصف العربى والمسلم بالإرهابي وبدون دليل مع أن الإسلام دين السماحة والحوار وأعمال العقل ،وهذه التوابع الناجمة عن أحداث 11 سبتمبر كانت لها انعكاسات على الشعوب العربية والإسلامية وزادت من شعور هذه الدول بالانحياز وعدم الحيادية فى السياسة الدولية ومعظمها كان فى غير صالح الشعوب ووقفت معظم الحكومات العربية عاجزة عن التعاطي مع تداعيات السياسة الأمريكيةالجديدة بما يلبى طموحات الشعوب العربية والإسلامية مما أوجد فجوة كبيرة بين بعض أنظمة الحكم والشعوب العربية ،حيث ترى الشعوب أن الأنظمة تتحالف أو تدعم أو تغض الطرف عن السياسة الأمريكية،وكان هذا الشعور هو المسيطر وبصورة مستفزة للشعوب خلال حكم الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن . وأضاف موسى : وخلال هذا المناخ فشلت معظم الأنظمة فى تحقيق معدلات تنمية واستيعاب البطالة ولم تتعامل مع مقررات قمة تونس التى دعت الأنظمة العربية تبنى سياسات إصلاحية فى شتى المجالات ،هذا هو المناخ وكله يدفع الشعوب الى التحرك للتغيير بعد إن عجزت الأنظمة عن تنفيذ أجندة إصلاح داخلي . ويصف اللواء أركان حرب علاء عز الدين ربط ثورات الربيع العربي بأحداث 11 سبتمبر الأمريكية تسطيح للأمور وضد الثورات العربية والقائمين عليها ،ويقول هذا الربط يعنى أن الثورات العربية تمت بتخطيط خارجى وأنا ضد هذه الفكرة ولا يمكن التصديق بان محمد بوعزيزى مفجر الثورة التونسية قد أقدم على إشعال النار فى نفسه بتحريض او تخطيط خارجى ،ولا يمكن القول أن الشباب المصرى قام بثورته بتعليمات وتخطيط امريكى وهذا كلام لا يصدق . وأضاف ان الثورات العربية هى «بنت « ظروفها الداخلية والتى تتمثل فى زيادة البطالة والفقر وغياب المشاركة وإقصاء كل قوى المجتمعات من المشاركة وغياب التداول السلمى للسلطة مع غياب العدالة فى توزيع الثروة بين فئات المجتمع ،مشيرا الى ان الثورات العربية لو كانت جرت بعد عام أو عامين من أحداث 11 سبتمبر لكان القول بأنها نتيجة لها يحظى بالقبول ،ولكن توابع 11 سبتمبر كانت ضد الشعوب الإسلامية والعربية ولصالح بعض الأنظمة المستبدة فى العالم العربى التى تعاونت مع أجهزة المخابرات الأمريكية ويومها توقفت الإدارة الأمريكية خلال حكم الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن عن مطالبة الأنظمة الحاكمة فى الدول العربية بالإصلاح السياسى وتطبيق المزيد من الديمقراطية. عامل مساعد ويؤكد الفريق محمد على بلال أن ثورات الربيع العربى وليدة الظروف المحلية العربية وتتمثل تلك الظروف فى غياب الديمقراطية وتزايد الفساد فى الدول التى انطلقت فيها الثورات مما أخل بالعدالة فى توزيع الثروة فى تلك الدول وباتت ثروات البلاد حكرا على الحكام والفئات المتحالفة معها من فئات رجال الاعمال . ويقول الفريق بلال اننى استطيع القول أن الثورات العربية صناعة محلية 100 % وتمت بايادى وطنية خاصة ولكن المؤكد أن الغرب والولاياتالمتحدة حاولا القفز على الثورات وإقامة تحالف ودعم للثوار وهذا بدافع حماية مصالحهم وليس حبا فى الثورات العربية ،مشيرا إلى أن الظروف الداخلية دفعت إلى درجة دفعت الفئات المهمشة لليأس والتحرك نحو التغيير عبر الثورات ،كما أن عدم تجاوب الحكام لعب دورا فى اشتعال الثورات من خلال رفض الإصلاح والتغيير لصالح الشعوب،وكان رفض الحكام يعود فى جزء كبير منه إلى اعتمادهم على دعم ومساندة الولاياتالمتحدة والغرب وكانت الأنظمة تعتقد أن التحالف مع أمريكا وإرضاء واشنطن هو ما يضمن لها البقاء فى السلطة لأطول فترة ممكنة ودون العمل على إرضاء شعوبها وتحقيق مصالح شعوبها وكان همها الأساسي إرضاء أمريكا وخدمة مصالح أمريكا بصورة زادت من الاحتقان عند الشعوب العربية ،كما أن كثير من الأنظمة العربية قدمت دعما «لوجستيا « للولايات المتحدةالأمريكية ودعما مباشرا لكل سياسات وحروب الولاياتالمتحدة التى خاضتها بعد 11 سبتمبر تحت دعاوى مكافحة الإرهاب والانتقام منفذى حادث 11 سبتمبر وهم فى الغالب كانوا عناصر إسلامية أو عربية بغض النظر عن مواقفهم وأهدافهم ،ومن هناك فإن دعم الأنظمة الحاكمة للسياسة الامريكية وهى بطبيعتها سياسة منحازة وضد مصالح الشعوب العربية افقد الكثير من الانظمة شرعيتها امام شعوبها وكانت عنصرا محرضا للثورة او نقل اوجد مناخ وبيئة لانبات الثورات ،ولكن الثورات قامت عندما توفرت أسباب محلية ضاغطة ساعدت على « الفوران الشعبى «. ويخلص الفريق بلال إلى القول إلى أن توابع 11سبتمبر من سياسات أمريكية استهدفت الشعوب العربية والإسلامية وتحالفت بصورة سافرة مع إسرائيل كانت عاملاً مساعدً وليس الرئيس أو المحرك. بيئة حاضنة للكراهية ويرى الدكتور هانى رسلان أن الموضوع يحتاج قراءة متأنية لتقديم تفسير علمى ومنطقى وموضوعى وذلك من خلال تحليل القضيتين بصورة تشريحية من المستوى الكلى الى المستوى الجزئى المكون لها ،ثم إعادة الربط بين تلك المكونات ،ويقول : نبدأ بأحداث 11 سبتمبر التى يمكن وصفها بالزلزال السياسي الذى أحدث نقلة نوعية فى مدخلات ومخرجات السياسة الأمريكية والسياسة الدولية من منطلق ان السياسة الأمريكية تعد المحدد الرئيس فى السياسة الكونية ،وعليه يجب ان نرصد ما تم من تغيير فى أهداف وآليات السياسة الأمريكية ومن اهمها التراجع الأمريكي عن دعم عمليات الإصلاح فى الدول الصديقة للولايات المتحدة وهو ما أحدث فجوة بين الشعوب العربية والولاياتالمتحدةالأمريكية حيث بدت الإدارة الأمريكية منحازة للأنظمة ولا تنحاز للشعوب ،وهذا يعود إلى أجندة الأهداف الأمريكية فى تلك المرحلة وهى محاربة الإرهاب ومحاربة الدول الراعية للإرهاب وبدت السياسة الأمريكية تنطلق من قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا وتم تقسيم العالم إلى التحالف الدولى ضد الإرهاب والدول المارقة أو الراعية للإرهاب وكانت معظم الدول التى وقعت بها الثورات من الدول الحليفة للولايات المتحدةالأمريكية وهو ما خلق حالة عدائية غير مسبوقة ضد السياسة الأمريكية فى الشارع وباتت الشعوب تصنف الأنظمة التى تدعم السياسات الأمريكية بالعميلة، ومنذ أحداث سبتمبر قامت الولاياتالمتحدة باحتلال دولا عربية وسلامية وهى أفغانستان والعراق وطبقت سياسات تمييز عنصرى ضد الجاليات الإسلامية فى الولاياتالمتحدة وفى كل أوربا مما أثار غضب وسخط الشعوب الإسلامية حيث تحولت السياسة الأمريكية الى سياسة ضد الإسلام وضد الشعائر الإسلامية وجرت مضايقات للمحجبات فى أوربا وأمريكا وتم فرض مراقبة صارمة على المساجد ووصل الأمر إلى حرق المصحف الشريف ،فى الوقت الذى تصر الأنظمة العربية الحاكمة على التحالف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ولا تعارض سياساتها.