بغض النظر عن العلاقة الاستراتيجية التي كانت تربط تركيا وإسرائيل والتي كانت تترجم نفسها على المستويات السياسية والعسكرية، فإن العلاقات الاقتصادية لم تكن أقل شأنًا، لا بل ارتقت إلى أعلى المستويات منذ تسعينيات القرن العشرين، وصولًا إلى حادثة أسطول الحرية الذي هاجمته إسرائيل وقتلت على متن سفنه عددًا من الناشطين الأتراك رغم سلمية تحركهم وعدم امتلاكهم أي سلاح للدفاع عن أنفسهم. وكعادتها إسرائيل التي تنتهج دائمًا سياسة الغطرسة مع الآخرين فقد رفضت الاعتذار عما فعلته معتبرة أن جنودها كانوا في موضع «الدفاع عن النفس» وأن أسطول الحرية التركي قد «انتهك» القانون الدولي للبحار. وعليه، فما كان من أنقرة إلا أن عملت على طرد السفير الإسرائيلي وهددت بوقف كل أشكال التعاملات مع تل أبيب التي لم تتأسف لما لحق بها من ضرر استراتيجي وسياسي وعسكري ودبلوماسي بل تتأسف فقط على الجانب الاقتصادي حيث اعتبر محافظ بنك إسرائيل المركزي ستانلي فيشر أن «انقطاع العلاقات التجارية مع تركيا ستكون له عواقب وخيمة على إسرائيل». وأشار فيشر في مؤتمر عن التعاون الإقليمي إلى أن «تركيا ستكون سوقًا كبيرة في هذه المنطقة وستكون مصدرًا رئيسيًا». وأن «عدم وجود علاقات تجارية مع تركيا سيكلفنا غاليًا لأنها الأهم بين اقتصادات المنطقة الأوسع بما في ذلك دول الخليج». ومعلوم أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين وصل عام 2010 إلى نحو 3 مليارات دولارمنها 1.3 مليار دولار صادرات إسرائيلية إلى تركيا و1.8 مليار دولار صادرات تركية إلى إسرائيل. وتعتبر تركيا الشريك العاشر لإسرائيل من الناحية الاقتصادية، علمًا بأن الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا تشكل ما نسبته 1.6% من مجمل الصادرات الإسرائيلية (67.5 مليار دولار في السنة) بينما تشكل نسبة الصادرات التركية لإسرائيل ما نسبته 2.2% من مجمل الصادرات التركية التي تصل إلى 109.7 مليار دولار في السنة. والصادرات الإسرائيلية إلى تركيا تعتمد أساسًا على المنتجات الكيماوية والبلاستيكية والمعدنية والأجهزة الكهربائية. فيما تتركز الواردات الإسرائيلية على المنتجات النسيجية والبلاستيكية والمعدنية للسيارات. وتفيد دراسات مختصة إلى أن أكثر من 573 شركة إسرائيلية، ستخسر كل منها أكثر من 20 ألف دولار سنويًا، بسبب قطع العلاقات الاقتصادية مع تركيا. ولم يعرف بعد حجم الضرر الذي سيلحق بالاستثمارات الإسرائيلية في الأسواق التركية وتحديدًا في مجالي الصناعة والبنوك حيث هناك مصنع الورق الإسرائيلي في تركيا باسم (كيمبرلي كلارك) وهو أحد المزودين الرئيسيين للورق في تركيا والدول المجاورة، وهناك بنك (هبوعليم) الإسرائيلي الذي استثمر أموالًا مكنته من شراء 51.5% من أسهم بنك (بوزتيف) قبل بضع سنوات. كما يمتلك اللوبي اليهودي عدة شبكات إعلامية كبيرة من بينها (show T.V) وقد أسس عددًا من الاقتصاديين ورجال الأعمال اليهود الأتراك أكبر الشركات الاقتصادية التركية عام 1989 وتدعى (مركز العام ال500) والتي تم إطلاقها بمناسبة مرور خمسمائة عام على هجرة اليهود من اسبانيا إلى تركيا. كما هناك الضرر الذي سيلحق بالقطاع السياحي حيث كان يزور تركيا سنويًا نحو 150 ألف سائح إسرائيلي مقابل بضعة آلاف من الأتراك يزورون إسرائيل طمعًا في رؤية القدس الشريف. وإضافة إلى العلاقات الاقتصادية المدنية فهناك أيضًا صفقات عسكرية أغلبها لمصلحة إسرائيل والتي وصلت إلى قرابة 2.5 مليار دولار وشملت صفقة بأكثر من ملياري دولار لتحديث 50 طائرة (فانتوم) تركية، وصفقة بقيمة 600 مليون دولار لتحديث دبابات الجيش التركي، وصفقة شراء طائرات من دون طيار بقيمة 250 مليون دولار، وكذلك صفقات لأجهزة استخبارية واتصالات. وبالمحصلة يمكن القول إن تل أبيب ستخسر مليارات الدولارات نتيجة عدم اعتذارها عن جرم اقترفته، ونتمنى ألا تعتذر، لكي تكتمل استدارة تركيا باتجاه العالمين العربي والإسلامي لأنهما العمق الحقيقي لأنقرة بشهادة التاريخ والجغرافيا.