ضمن سلسلة «مراصد»، التي تصدرها مكتبة الإسكندرية- دراسة «إشكالية الوظيفة الدينية في الدولة المعاصرة: قراءة في تجربة تأهيل الحقل الديني بالمغرب»، للدكتور امحمد جبرون؛ الكاتب والباحث المغربي، الحاصل على دكتوراة في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي. وتتناول الدراسة التجربة المغربية الخاصة بتأهيل الحقل الديني، ضمن محاولة تأصيل الدولة من خلال إعادة هيكلتها، وإعطاء الوظيفة الدينية ما تستحقه سياسيًا ومؤسساتيًا وبشريًا، كأحد الحلول الممكنة -من وجهة نظر الباحث- لمعضلة الدين والسياسة في إطار الدولة، ومتمم استراتيجي للمقاربات الأمنية في معالجة «الحركة الإسلامية السياسية». ويقدم الباحث في دراسته نظرة تاريخية لعلاقة الدولة المغربية بالإسلام في عقود الاستقلال، ويتطرق إلى دور وزارة الشؤون الإسلامية التي نشأت لأول مرة سنة 1961، ويتناول تحول التعليم الديني بالمغرب من المجتمع نحو الدولة، ويعرض عددا من الحقائق الاستراتيجية للسياسة الدينية في مغرب الحسن الثاني، ثم ينتقل إلى مشروع تأهيل الحقل الديني في عهد الملك محمد السادس، والحقائق الاستراتيجية لسياسة تأهيل الحقل الديني، ونتائج وتأثيرات سياسة تأهيل الحقل الديني بعد عشر سنوات من انطلاقها. ويقول الباحث: إن ظهور الصفة الدينية للنظام الملكي، وتوظيفها في مغرب الحسن الثاني، حكمه سياق سياسي وتاريخي مختلف تماما عن السياق الراهن، بحيث كان الغرض منه -من جهة- كبح جماح اليسار المتطلع بقوة نحو الحداثة السياسية، ومن جهة ثانية وضع اليد على الحقل الديني، وسياسة مكوناته وخاصة العلماء والتعليم الديني. ويعرض الباحث -من خلال دراسته- الحقائق الاستراتيجية للسياسة الدينية في مغرب الحسن الثاني؛ وهي: الهيمنة التدريجية للدولة على الحقل الديني، والوعي المذهبي المتأخر، ونهج سياسة الترشيد والحوار، والعمل ما أمكن على حصر العمل الإسلامي في أبعاده التربوية والتثقيفية. وترصد الدراسة أن مشروع تأهيل الحقل الديني -في عهد الملك محمد السادس- هو من جهة اختيار سياسي يعبر عن الفلسفة السياسية للعاهل المغربي، وأسلوبه في تدبير الدولة، ومن جهة ثانية محصلة لعدة تفاعلات وأحداث شهدها المغرب في السنوات الأولى من حكم الملك، بما يجعله مشروعًا تاريخيًا، وجوابًا ضروريًا عن سؤال الدين في الدولة والمجتمع من منظور سياسي. وتشير الدراسة إلى الحقائق الاستراتيجية لسياسة تأهيل الحقل الديني في عهد محمد السادس، ومنها: الارتكاز على الفصل 19 من الدستور، الذي يجعل من الملك أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين. ويقول الباحث: إن عهد محمد السادس -فيما يتعلق بالمجال الديني- يشكل استعادة شبه شاملة لمفردات التدين التاريخي المغربي، في أبعاده العقدية والفقهية والسلوكية. ويعرض الباحث نتائج وتأثيرات سياسة تأهيل الحقل الديني في المملكة المغربية في عهد الملك محمد السادس، بعد مرور أكثر من عشر سنوات من انطلاقها. ويبين أن السياسة نتج عنها تحديث الوظيفة الدينية للدولة، وتأميم الحقل الديني، واستقطاب النخبة الحركية الإسلامية وإدماجها في مؤسسات الحقل الديني، ومواجهة الفكر المتشدد والمتطرف، وتوفير إمكانات العمل الإسلامي الجديدة.