كان للعيد في جدة بهجة خاصة وتفاصيل مميزة مازالت حلاوتها وأريجها يتراوح في ذاكرتنا التي تأبي الا ان تذكرها مضمخة بعبق الأجداد والآباء وماحفروه من انس فى أيامنا التي عشنا لحظاتها او سمعنا حكاياتها منهم تلك السير التي ستظل زخما دائما لذاكرتنا الجمعية نعود ونعيشها ونؤصلها قولا وفعلا فى حياة وذاكرة اجيالنا لتظل متقدة ما طال الدهر بل ونبدأ بحكاية العيد في جدة قديما حيث تتسارع استعداداته فى اواخر شهر رمضان وتتجلى فى الكثير من المظاهر البراقة فتعمد الأسواق الى تكثيف الإنارة بإيقاد واجهات الحوانيت ( الدكاكين ) بالاتاريك الكبيرة ثم بعقود الأنوار بعد ذلك ويشبهونها بتجهيز العروس فيطلقون على تلك الزينة مسمى ( تشريع ) اما بضائعهم فينشرونها متجاورة بأسلوب شيق وملفت وقد يغنون لها باهازيج خاصة كما يفعل باعة الحلوى والاجبان لذا تجد الجموع كبارا وصغارا منتشرين فى الأسواق بعد صلاة التراويح لتجهيز مستلزمات العيد,من ألبسة وطعام وشراب وحلوى وحيث ان «ليالي العيد تبان من عصاريها « كما تؤكد ظرافة الطبع الشعبي ، تضج الأسواق بنداءات باعة الحلوى مدللين حلواهم بقولهم يا حلاوة العيد يا حلاوة - من مال جديد يا حلاوة- – اشكال وألوان ياحلاوة – شغل الفنان ياحلاوة كما يضاعف الخياطون ساعات عملهم للانتهاء من ملابس العيد وإخراجها بأحسن صورة اما الرجال والأطفال الذكور فيسارعون الى الحلاقين لتجهيز أنفسهم للعيد اما ملابس العيد فيبدأ إعدادها منذ منتصف شهر رمضان فيتجهون الى مشاهير الخياطين لإعداد ثياب العيد لهم ولأولادهم من الأقمشة المشهورة آنذاك مثل الاس أبو غزالين وفخر الموجود – البوبلين ) وغيرها من الأصناف التى وردت تدريجيا اما توابعها اى كمالياتها فهي كالكوافى ( البوقس جدر عالي ) والصمايد البقش والغبانات والسداري والأحذية كالمداس بأنواعها ( أبو اصباع و المتوسع ) وكذلك الكمر -أبو قلاب اوسادة أبو ازارير من الأسواق اما السيدات اللاتى لم يكن يسمح لهن بارتياد الأسواق فيكتفين بفواتير القماش (النماذج ) التي يحضرها رب الأسرة ليخترن منها مايناسبهن او يحضر رب الاسرة طاقة او اثنتين من القماش تكفي الجميع وقد يخطنها بأنفسهن وفقا لموضة ذلك العصر الشهيرة التى تتمثل فى (الكرت-والزبون ) او يلجأن إلى الخياطات المعروفات لديهن وقبيل العيد بأيام تشتعل المنازل و تتحول إلى ورشة يتحرك فيها الكل معا حيث تبدأ التنظيفات المنزلية بنفض الغبار عن الجلايل والمفارش ) بالعصي على ايدى عمالة خاصة يستأجرها الاهالى لذلك ثم يعاد بسطها وإبراز الجديد منها اما قاعات الضيوف فتفرش كرواتياتها وهى بمثابة المقاعد حاليا بالسجاجيد والسجانى والمساند والدفاعات المعدة من قماش مخملي مميز ثم تحاط من اعلاها بالشرك الأبيض مما يعطيها شكلا فريدا اما الرواشين العريقة فتمتد لها الايدى الحنونة لتتعهدها بالنظافة والبريق ولاينسون (الدرج والدهليز والأعتاب ) لترحب نظافتها بالزوار ولايقابلون مايزعجهم في ايام العيد كما يعمد الصبية في ليلة العيدالى رش الباحات امام المنازل ببعض الماء كي تبدو مرتبة ولاتثير الغبار اما الحلوى فهي بهجة العيد التي لايستغنى عنها الجميع فيسارعون إلى توفير كافة أنواع الحلوى التقليدية المعروفة ( لبنية – هريسة – لدو – مهجمية ) بتوصية الحلوانية عليها إضافة الى أنواع أخرى توفرت تدريجيا في الأسواق كالحلقوم واللوزية بأنواعها والشكولاته اما العطور فكان اشهرها (أبو طير - وليالي بارس - وأبو بخاخ). وماء الورد الذي يوضع فى المرشات ليعطر به المعيدون وليلة العيد توضع الحلويات فى الأطباق المزينة والمرشات في المجلس المهيأ للمعايدة على طاولة مغطاة بملاءة مزركشة ثم تغطى بغطاء من التل ولا تنسي ربات المنازل في أواخر ايام رمضان تجهيز كعك المعمول وهو من حلوى الأعياد الهامة وبعثها للأفران للخبز ثم حفظها بعد رشها بالسكر الناعم لتناولها في إفطار العيد وتقديمها للمعيدين ونظرا لإقفال الأسواق قديما في أيام العيد كان الناس يعمدون إلى شراء كافة مستلزماتهم الغذائية التي تكفيهم طوال أيام العيد في اليوم الأخير من رمضان وقد انحسرت هذه العادة منذ سنوات طويلة لتوفر البدائل الكثيرة اما ليلة العيد فهي الأكثر انشغالا وبريقا لايعرف الجميع فيها النوم الا قليلا حيث يتحرك الجميع للتجهيز والتوضيب والتنظيف وسط تهليل الأطفال ومطالباتهم وهم يخاتلون النوم بأكفهم المحناة وبريق نظافتهم وملابس العيد التي تنام في أحضانهم وحولهم ثم تنطلق السيدات بعدها إلى تجهيز طعام الأعياد الخاص الذى تتصدره الدبيازة التي لاتخلو منها مائدة الى الان وبعد كل ذلك العمل الشاق يتجهزن لاستقبال العيد وسنستكمل احتفالات العيد فى حلقة قادمة.