بدأ إمام وخطيب جامع أم الخير الشيخ صالح بن محمد الجبري خطبة يوم أمس الجمعة بقوله: لعل وقْع كلمة التحرش على الآذان ثقيلا لدرجة أن يستبعدها بعض الآباء أو يعتقدون أن أبناءهم بعيدون عنها، لكن على كل حال فتلك الكلمة رغم ثقل وقْعها تفرض نفسها على واقعنا، فقدأعدت دراسة كشفت أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال في مجتمعنا مرتفعة؛ إذ يتعرض طفل من بين أربعة أطفال لهذا الاعتداء أو التحرش؛ مما يستلزم من الجميع وقفة جادة ومن ثمّ إعداد العدّة لحماية أبنائنا من ذلك الخطر .وأورد أنه قد ألقت الشرطة في إحدى المدن قبل فترة قصيرة القبض على مواطن في الثلاثين قام بشراء موقع إباحي على شبكة الإنترنت بهدف التحرش بالذكور القصّر ، فمن هم الأطفال الذين يتعرضون للتحرش؟ يقول الدكتور علي الزهراني وهو يحمل رسالة الدكتوراه في الاضطرابات النفسية الناتجة عن سوء معاملة الأطفال، يقول: «أظهرت الدراسات الغربية أن أغلب الأطفال الذي يتعرضون للتحرش هم دون سن الخامسة، بينما الدراسات العربية ومن ضمنها دراسة قامت بها الجهات المختصة في المملكة تشير إلى أن الأعمار بين 6 إلى 12 عاما هي الفئة العمرية التي غالبا ما تتعرض لخطورة التحرش الجنسي، وأظهرت الدراسة أيضا أن الأعمار ما بين 13 و18 عاما تعد أيضا معرّضة لهذا الخطر، متى توافرت لدى إحدى هذه الفئات الجاذبية أو الخجل أو ضعف الشخصية أو البنية الجسمانية، كذلك الثقة المفرطة لدى الأهل في السماح لأبنائهم بالخروج مع الأصدقاء للاستراحات أو المقاهي أو الشاليهات أو المنتجعات، دون حسيب أو رقيب». أما بالنسبة لأصناف المتحرشين فمن أكثر الفئات خطرا أولئك المنحرفون المهووسون جنسيا بالأطفال، والذين يتسكعون في الأماكن التي يسهل فيها الاحتكاك بالأطفال مثل أماكن لعب الأطفال المعزولة، وهؤلاء في العادة يستدرجون الطفلة أو الطفل ويتحرشون به جنسيا في دورات المياه أو درج العمائر وخصوصا الأدوار العليا منها وأسطح المباني وفي الأماكن المظلمة أو في أي خلوة متاحة لهم، وهؤلاء عادة يفضلون الأولاد كخيار أول، أما غالبية المتحرشين فهم من الخدم والمربين والسائقين والمعلمين والمعلمات وعمال البقالات والحلاقين، بالإضافة إلى الأصدقاء والأقارب وخاصة المراهقين، والأخطر أبناء الإخوة، *** والخلاصة أن 85 بالمائة من المتحرشين جنسيا هم من المعروفين لدى الضحية.ونحن هنا لا نريد التشكيك في كل أحد، ولا نريد أن نظن الظن السيئ بالنسبة للأصناف المذكورة سابقا؛ لأن غالبيتهم -ولله الحمد- على خير وإلى خير، هكذا نحسبهم ولا نزكي على الله أحدا، إنما نقصد قليلي الدين وأهل الفتن والفساد منهم، وهم قليل، لكن يجب الحذر منهم، أما وسائل التحرش الجنسي فتكون إما بالإغراء بواسطة تقديم الهدايا أو الحلوى والنقود، أو بواسطة تعليم قيادة السيارات وبالذات السيارات الرياضية الفاخرة التي تجذب انتباه الأطفال أو المراهقين، أو استغلال حاجة الطفل أو المراهق لأي شيء، أو تكوين علاقة حميمة مع الطفل أو المراهق لكسب ثقته وربما ثقة الوالدين أيضا، ثم يبدأ المتحرش بعد ذلك في تنفيذ مخططه ورغباته لا سيما في غياب الثقافة الجنسية لدى الطفل أو المراهق، وإذا فشلت الأساليب السابقة للمتحرش في الإيقاع بالضحية فربما يلجأ للخيار الأخير لديه وهو التهديد بالقوة إلى درجة التهديد بالقتل وإيقاع الأذى بالضحية. فمتى وكيف يمكن أن يتعرض الطفل للتحرش ففي سن الطفل أو الطفلة الصغيرة من 2 إلى 5 سنوات قد يقع الطفل أو الطفلة في براثن المتحرشين في أوقات انفرادهم به في أي فرصة ولو قصرت، ووقوعه تحت التهديد أو الإغواء مع عدم توعيته من قبل الوالدين وغياب الأمر عن أذهانهم قد يسمح بتكرار الأمر دون أدنى علم من والدي الطفل أو الطفلة. أما في العمر من 6 إلى 12 عاما فتساهم نفس العوامل السابقة في تيسير الأمر على المتحرش، وقد يساهم الطفل في تهيئة المناخ الملائم للتحرش بتتبعه لفترات غياب الوالدين أو انشغالهما لمشاهدة صور ما أو مشاهد أو محاكاة شيء علمه له أحد أصدقائه أو النظر إلى مشاهد جنسية في الفضائيات في غياب الوالدين، فيقوم بمحاكاتها فور أن تسنح له الفرصة. وهناك أسباب كثيرة لوقوع الأولاد في التحرش الجنسي، منها أخطاء الوالدين كمداعبة الزوجين أحدهما للآخر، أو ممارسة الحق الزوجي أمام الأبناء، أو تجاهل الصغار منهم بدعوى أنهم لا يفهمون، وهذا خطأ؛ لأن هذه المناظر تترك أثرا في نفس الطفل أو الطفلة، وتدفع الطفل إلى تقليد هذه الحركات عند أول فرصة سانحة له، وقد أخبرني أحد الإخوة أنه شاهد بلوتوثا لطفلة صغيرة لا تتجاوز العامين وهي تقوم بحركات جنسية رأتها لوالديها. ومنها: نشأة الأولاد على الدلال والميوعة، وهذا مناف للنصوص القرآنية والنبوية والملاحظ أن بعض الأولاد يعيشون في درجة من الترف إلى حد الإسراف والملل؛ مما يصيبهم بالدعة والميوعة والدلال؛ مما ينتج عنه آثار سيئة على نفسياتهم في مستقبل الأيام. ومنها: ترك الأولاد للخدم والاعتقاد بأن ذلك كاف في القيام بواجباتهم، وقد أكدت دراسة لمكتب التربية العربي لدول الخليج أن ظاهرة الخدم والمربيات خلفت وراءها كثيرا من أصناف الخطر في شتى الميادين، لا سيما الاعتقادية والثقافية. ولقد وجد أن معظم الأولاد في أعمار ما بين 13 إلى 15 سنة يعتمدون في معلوماتهم عن الجنس والمخدرات والعنف على الأصدقاء والتلفزيون والأفلام والإنترنت، وهذا يعني أنه إن لم نعط أولادنا المعلومات التي يحتاجونها فسيحصلون عليها من غيرنا، وإذا كان ما يزال هناك العديد من المربين والآباء والأمهات يتساءلون: هل يجوز للأب أو المربي أن يحادث ابنه أو الأم ابنتها في المسائل الجنسية؟ وهل له أن يعرفه أو يعرفها بالفوارق ما بين الجنسين؟ وإذا كان هذا جائزا فما السن المناسبة لذلك؟ فالجواب: إن أطفالنا في الأعم الأغلب يبدأون في قراءة وحفظ القرآن أو جزء منه وهم في سن صغيرة، ولقد تحدث القرآن بوضوح عن النطفة من أين أتت وكيف تتكون في رحم المرأة، وتحدث عن خلق الإنسان من أخلاط النطفتين من الرجل والمرأة، وتحدث عن الجماع الرفث ليلة الصيام، وتحدث عن المحيض واعتزال النساء فيه، وتحدث عن حمل الولد في بطن أمه ومدة إرضاعه وعن الزنا وعن إتيان الرجال شهوة من دون النساء، وغير ذلك في سورة البقرة أكثر من مرة، وفي سور الأعراف والإسراء والمؤمنون والأحقاف والإنسان، لقد تحدث القرآن عن ذلك وأكثر منه، فكيف يمكن للولد أن يفهم معنى الآيات إذا لم توضح له وتشرح وكذلك البنت من قبل الوالدين والمربين؟! فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال : ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)). والحقيقة أن هذا الحديث مدرسة تربوية كاملة، فقد عرف هذا الحديث الأطفال من أول الأمر بأن هناك حلالا وأن هناك حراما، وأن عدم التفريق بينهم في المضاجع يمكن أن يؤدي بهم إلى الوقوع في المحرم. وجمع هذا الحديث بين تربية الإيمان وإغلاق باب الشر في وقت واحد، إذ أمر أن نربي أولادنا عن الصلاة ونحثهم عليها، والصلاة هنا الفريضة، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذه هي تربية الإيمان والسلوك، والتفريق في المضاجع هو سد باب الشر، وهذان الجناحان هما أكثر ما يحتاجه أبناؤنا في مثل هذه السن. فأما إذا تعرض الطفل أو الطفلة للتحرش لا سمح الله، فلا بد من عرضه على طبيب نفسي يقوم باسترجاع هذه التجربة المؤلمة معه، وذلك حتى لا تظل مختزنة بداخله، تحدث آثارها السلبية عليه.