منذ أن تعرّض للوعكة الصحية التي لازمته حتى اليوم الأستاذ محمد صلاح الدين الدندراوي، كاتب جريدة المدينة الأبرز، وأحد أعضاء مؤسستها الصحفية، ومحبوه يلاحقون أخباره عبر أهل له وأصدقاء، حيث إنها على صفحات صحفنا المحلية شحيحة، مع أنه الرجل الذي أمضى العمر في أروقة هذه الصحف، وعلى بلاط صاحبة الجلالة الصحافة يجري، ويتقلّب في مناصب العمل الصحفي، من أدناها وحتى أعلاها، وعجبت لهذا الصمت الذي أصاب الصحف، فلم تتناول مسيرة الرجل الذي لم يتوقف عن العمل الصحفي منذ بداية حياتها، وحتى أجبره المرض على التوقف، تعلّمها ممارسة، فعشقها، فثقّف نفسه وعمل في كل مفاصلها دون كلل، حتى أصبح (الأستاذ) الذي يتدرب على يديه الكثيرون ممّن التحقوا به بعدُ في هذا العمل، قد حفر الأرض بأظافره؛ ليصنع له مكانة يجلّها الناس، ومجدًا لا أحد يستطيع أن يمنّه عليه، حينما عرفت «الأستاذ» وهو لقب استحقه بجدارة، يعني به تلاميذه أنه الذي علّمهم أبجديات المهنة، قبل أكثر من عقدين عن قرب، احترمت هذا الصمت الذي يتمتع به في الغالب، فهو الأقدر على الإصغاء، ولكن عندما يحتاج الأمر إلى الكلام، فاستمع لقول مرتب مقنع، صادر عن معرفة وعلم وتجربة، ورأيت فيه الخلق الرفيع، حتى أنك تشعر بأنه بمجمل فضائله ليس من هذا الزمان، ابتسامته لا تفارق ثغره، بشاشته يتلقى بها كل مَن يقابله، وقدرة فائقة على الوفاء بمتطلبات الشخصية السوية المتكاملة، مظهر جميل يتألق به، ودماثة خُلق تجذب الناس إليه، وحسُن تعامل مع الخلق أوتيه، أحببت الرجل، وتواصلت معه، حينما يكون للتواصل معنى أجمل، ولمّا مرض لم أعلم إلاّ بعد أن دخل في غيبوبة، فلمّا أفاق منها، كنت أعاني من وعكة صحية استمرت حتى اليوم، قيّدت حركتي كثيرًا، وقد آلمني صمت كثير من صحفنا المحلية عن متابعة حالته الصحية، وأخباره طوال هذه الفترة، وتذكرتُ مقولة للأستاذ الكبير محمد حسين زيدان -يرحمه الله- عن البلد الدفانة، فمَن غاب عن النظر غاب عن العقول والقلوب، ولولا أن قرأت يوم الجمعة 17/6/1432ه في جريدة البلاد ملفًا يستعيد ذكرى الأستاذ الغائب، لفقدتُ الأمل في وفاء لمَن عمل من أجل وطنه العمر كله، وقد كتب في هذا الملف أبرز تلاميذه، ومَن عاصروا العمل الصحفي معه، وتعددت وجهات نظرهم، وكلهم يذكّرنا بمراحل حياته الصحفية، والتي أكثرنا شاهدٌ عليها، فعلمت أن للوفاء أهلاً، وأن الأستاذ الجليل لا يزال يتذكّره المحبون الأوفياء، ويعترفون له بالفضل، وأمضيتُ ساعتين في قراءة مقالات متعددة بأقلام رجال هم تلاميذ له، أو مجايلون يعرفونه أكثر ممّا نعرفه، نحن الذين نعمنا بالصلة به، وهو نجم في ساحتنا الصحفية والثقافية، وناشر له ثقله، ومثل الأستاذ محمد صلاح الدين الدندراوي ممّن عملوا من أجل وطنهم في أشق المجالات، مجال مهنة المتاعب «الصحافة»، وأسسوا نهجًا، واختطوا منهجًا في عملهم التزموا به، استطاعوا به أن يبقوا في هذا المجال هذا الزمن الطويل، يستحق به التكريم، فتجربته تستحق أن يُهتم بها، وأن تدرسها الأجيال بعده، وليت لنا مؤسسة كبرى للعلوم والآداب والفنون ترعى الثقافة في بلادنا، وتؤسس لها اتحادات أو جمعيات، وتحت سقفها يكون للدولة جائزة تمنحها للمتميّزين من أبناء الوطن في هذه المجالات كل عامين أو ثلاثة، أو ما يقترح من مدة، وأن ينالها الأحياء قبل الأموات، رد الله الأستاذ محمد صلاح الدين إلى الوطن، وقد نعم بالصحة، وعاد إليه نشاطه، ليواصل مسيرة تبقت له -بإذن الله- ينتج فيها ويبدع، فهو الرجل المعرض عن كل أذى يلحقه بالناس، فإن لم ينلهم نفعه لم ينلهم ضرره، بل لعلّه الرجل في ساحتنا الثقافية يكره بأن يكون له خلاف مع أحد، يتجنّب العراك ولا يرتضيه، فخلقه يأباه، ولا يبخل على الشباب بموفور خبرته منذ التحق بالعمل الصحفي، وحتى غاب عنا قسرًا هذه الأيام، ظلت زاويته «الفلك يدور» معلمًا في جريدة المدينة على صفحتها الأخيرة زمنًا طويلاً، تجعل البعض يبدأ قراءة الجريدة عبر صفحتها الأخيرة، ادعو معي له بالشفاء العاجل، وأن يرده الله إلى الوطن سالمًا، فهو ما نرجو، والله ولي التوفيق. ص. ب: 35485 – جدة 21488 فاكس: 6407043 [email protected]