* راح يحلم أحلامًا رومانسية، ويتخيّل نفسه وقد أنهى حياته نهاية مفعمة بالحب والاستقرار والسكون.. ذابت أحاسيسه، وانسابت مشاعره وهو يحلم بسيّدة قلبه التي ستملأ أيامه بهجة، وتحلّق معه إلى آفاق حالمة. * انهمك في قراءة روايات الحب، فأعاد قراءة “ذهب مع الريح” مرّة.. ومرّات.. تخيّل نفسه وحبيبته بطلي الرواية.. في سنين مراهقته كان قد قرأ قصص العشق العذرية، وأُغرم بكل تفاصيلها.. فهل سيكون المجنون، وهي ليلى..؟؟ أم كُثَير وهي عزة..؟ أم أن جميل هو الأقرب إليه، وهي بُثينة التي وهبت حبيبها حبًّا لم يخفت حتى بعد مماته..؟! * هو يعلم أنها ستكون له ترنيمة عشق.. ومواويل غرام.. وواحة دفء.. وحضن حنان... طالما اشتاق لها.. يخفق قلبه بشدة، وهو في أحلامه تلك يتخيّلها إلى جواره، وهي في كامل بهائها وجمالها الآسر.. فتنساب منه الكلمات، ليست ككل الكلمات.. كلمات تنبع من أعماق أعماق روحه.. يبوح لها بها، فتتراقص معها، وتذوب هيامًا. * يخبرها بأنها حبه الحقيقي، وأنها محطته الأخيرة.. وأنه أسكنها أعماق فؤاده.. وأنه لا يتصوّر حياته بدونها.. فتتمايل لصدقه.. وتتدلل لنبراته.. أصابته لوعة الغرام، فارتجف خوفًا من ضياع اللحظة.. وانتفض رعبًا من أن تكون مجرد وهم.. فأكثر ما يخيفه أن تكون حبيبته بين يديه، فلا يستطيع الحفاظ عليها.. أو أن تغيب من حياته بعد قربها منه. * عاد إلى أغانيه المفضلة.. فهام مع عبدالحليم في قارئة الفنجان.. وأعادها مرّة.. ومرّات.. يسرح معها فيتخيّل نفسه يفتش عن محبوبته في كل مكان.. يسأل عنها موج البحر، وفيروز الشطآن.. ويتساءل مع نفسه: هل ستكون حبيبته كما أبدع نزار.. ساكنةً في قصر لا يصله إنسان.. ومَن يصله مفقود..مفقود؟؟ أم أنه سيكون الفارس الذي يدخله برغم حرّاسه ليحقق حلم حياته..؟؟ * أباح ذات يوم لأحد خلّانه بأحلامه تلك، فقال له: إن لم تكن مثل حبيبتك موجودة لاخترعناها! فليس أجمل على المرء من شعور بوجود محبوبة في صفات حبيبتك.. هو في أعماقه يعلم أن معها سيكون سكونه.. وهدوء روحه.. وإبحاره لشواطئ الأمان.. وغيمات الدفء. * أحد أعزّائه يقول له: «في خوض البحار هناك ربانان الأول يجعل مهمته أن يعدّي بسفينته، ومَن عليها إلى بر الأمان، وكل الشواطئ تتشابه لديه. وهناك ربان ذو قلب شجاع، يبحث عن دخول مدارات مجهولة؛ لأنها الطريق الوحيدة المؤدية إلى اكتشاف الجزر النادرة والمفقودة. ذلك النوع من الجزر لا يحتاج إلى كثير من التحسّب لما هو آتٍ، ولكل ما فات، فمثل هذه الجزر قد يأتيها المد ما بين لحظة وأخرى، وتختفي عن المدار». * عاد إلى نفسه، وتمتم: صحيح ما يقوله عزيزي، فالحبُّ عند البعض معركة حياة أو موت.. تُستخدم فيها كل أسلحة الدمار الشامل.. وتحديًّا ومغامرة مجهولة..!! أمّا هو فيؤمن أن الحب إنّما هو حياة حالمة، تتمازج فيه الأرواح، وتنعدم الفروقات، وتذوب الذوات، وتنتفي الرغبات الخاصة.. ومعياره ليس المكسب والخسارة، بل الإحساس الصادق، والقلب النقي. فاكس: 6718388 – جدة [email protected]