يخطئ من يعتقد أن فن الشعر يقتصر على القصيدة وحدها . الشعر فن يدخل ضمن كل القوالب الأدبية والفنية المعروفة ، لأنه حالة جمالية قبل أن يكون قالبا أدبيا مغلقا على نفسه . ولأنه حالة جمالية قبل أن يكون حالة إبداعية تقتصر على بعض القوالب الأدبية أو الفنية ، فإن الشعر لا يمكن أن ينفصل عن الجمال في جميع صوره .. كل ما هو جميل هو شعر بشكل من الأشكال . منظر غروب الشمس وسقوطها تدريجيا في أعماق البحر ، هو شعر .. وامتداد الأفق اللانهائي في الصحراء الشاسعة ذات السماء المطرزة بما يشبه حبات اللؤلؤ ، هو شعر .. ومنظر الأنهار التي تجري تحت حراسة حزام أخضر ينبض بالحياة ، هو شعر .. ووجه المرأة الجميلة وملامحها الثرية التي يمكن قراءتها كما تُقرأ القصيدة ، هو شعر أيضا .. وابتسامة الطفل التي تشهر البراءة في وجه كل بشاعات الدنيا ، هي قمة الشعر . أجمل قصائد الشعر لا تستطيع مجاراة مظاهر الجمال القادرة على تحريك المشاعر الإنسانية الرقيقة والراقية . الشعر مفردة مستمدة من الشعور ، والشعور الإنساني الرقيق لا يتأثر بشيء قدر تأثره بالجمال الذي يعتبر الشعر أهم عنصر من عناصره . هذا الواقع هو الذي سمح بظهور أشكال متعددة للقصيدة ، كل شكل منها يمتلك خصائصه التي تميزه عن الأشكال الأخرى . في الكتابة يمكن أن تتفوق قصيدة النثر على القصيدة التقليدية ، لأن المعيار الذي يخضع له الشعر لا يعتمد على الضوابط الشكلية الصارمة ، بقدر ما يعتمد على مستوى الشاعرية التي يتميز بها النص . والشاعرية في الكتابة تتمثل في القدرة على الكتابة بواسطة لغة تعيد رسم المفردات المعروفة ، وتعيد اكتشاف دلالاتها ، وتمنحها مدلولات جديدة لم تكن مرتبطة بها في السابق . أما ما لا يقل أهمية فهو قدرة اللغة الشعرية على خلق تراكيب لغوية تكسر قواعد اللغة وتناقض قوانين الواقع معا . نزار قباني على سبيل المثال كان يكتب النثر بصورة أكثر شاعرية من الصورة التي يكتب بها شعره أحيانا . والطيب صالح وأحلام مستغانمي ، كتبا لغة شعرية في رواياتهما ، من الصعب أن تجد لها مثيلا في دواوين معظم الشعراء . الشعر مرتبط بالجمال ، والجمال مرتبط بالقدرة على إثارة الدهشة ، والدهشة لا يمكن أن تنتج إلا من الغريب وغير المألوف .