تفاعلًا مع ..«لا للفتنة» الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد. فإن من الأصول المقررة في الكتاب والسنة وعند علماء الأمة السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم أبرارًا كانوا أو فجارًا عادلين كانوا أو جائرين إلا أن يأمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. مع بقاء السمع والطاعة لهم في ما عداها قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقد سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: يا نبي الله أرأيت إن قام علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله فجذبه الأشعث بن قيس وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم". أخرجه مسلم، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. فهذه نصوص صحيحة صريحة في وجوب طاعة ولاة الأمر وإن جاروا وإن ظلموا وإن أخذوا الأموال وضربوا الظهور وهذه سنة الصحابة رضي الله عنهم فقد صلى ابن عمر وأنس وغيرهما خلف الحجاج ولم يخرجوا عليه ولم يؤلبوا الناس ضده وكذلك هي سنة علماء الإسلام وأئمة الهدى قال أحمد أبو الحارث: (سألت أبا عبدالله – يعني أحمد بن حنبل- في أمر كان حدث ببغداد وهم قوم بالخروج فقلت يا أبا عبدالله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول سبحان الله الدماء .. الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم أما علمت ما كان الناس فيه يعني أيام الفتنة قلت والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبدالله قال وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به) وقال الطحاوي:(ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة) وقال شيخ الإسلام: (وأما أهل العلم و الدين و الفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم) فتأمل منهج علماء الهدى الذين جعلوا السنة حاكمة لأقوالهم وأفعالهم مع ولاة الأمر مهما كان جورهم وظلمهم ومهما لقوا منهم من الأذى كما حصل للإمام أحمد وشيخ الإسلام وغيرهما لأن المصلحة في طاعتهم راجحة على ما يحصل منهم من مفاسد حفاظًا على وحدة الكلمة وتماسك الجماعة وإقامة الشعائر وتأمين السبل وحفظ الدماء والأعراض والأموال والأخذ على أيدي المفسدين وردع المجرمين وبهذا يتضح جليًا خطأ أصحاب الأهواء والمطامع الذين يفتون بجواز المظاهرات والفوضى التي تسفك فيها الدماء وتنهب فيها الأموال وتنتهك فيها الحرمات ويؤلبون بها العامة والدهماء على السلاطين ويظنون ذلك هينًا وهو عند الله عظيم وهي ضرب من الخروج المنهي عنه شرعًا لأنها نزع لليد من الطاعة وفيها تهييج للدهماء والرعاع على ولاة الأمر لاسيما التي ينادى فيها بإسقاط الحكام كما أنها سنة من سنن الكافرين الذين نهينا عن التشبه بهم فالواجب الحذر من هؤلاء وعدم الالتفات إلى فتاواهم والرجوع إلى أهل العلم الراسخين ويكفي العاقل عبرة ما حصل في البلدان التي سقطت أنظمتها من الفوضى والقتل والسلب والنهب بسبب انفلات الأمن وغياب من يأخذ على أيدي المفسدين والعابثين.