نهار الجمعة التي رحل فيها مبارك عن سدة الرئاسة في مصر، أجرت فضائية بلومبيرغ الأمريكية لقاء مع توماس فريدمان الكاتب الأمريكي الشهير في نيويورك تايمز وغيرها. كان اللقاء في القاهرة.. في ذروة التظاهرات السلمية التي نعرفها جميعاً ولا يحاول إخفاء حقيقتها إلا ذاك الذي يحاول صد نور الشمس بيديه العاجزتين وعقله المنغلق. ولما سُئل فريدمان عن ذاك الذي يجري في ميدان التحرير على مدار 18 يوماً أجاب فريدمان قائلاً: (حقيقة لم أر شيئاً مماثلاً في التاريخ الحديث. هؤلاء الفتية كالنمر الهائج الذي خرج من قفص حُبس فيه 30 سنة فلا أحد يستطيع إعادته إلى القفص، ولا أحد يستطيع الركوب على ظهره..) بمعنى أن الرجوع إلى الوراء كان مستحيلاً، فلا ثمن لانطلاقة النمر سوى إقلاع الرئيس بلا عودة. وأن هذا النمر أنطلق من ذات نفسه لا تحركه أيدولوجيات ولا حزب ولا جماعة ولا دولة من الخارج ولا عدو من الداخل.. إنها ذاتية الحركة مستقلة التوجه قوية الدفع.. ليس في أجندتها شيء سوى (مصر)! بها قامت الحركة، وبها تحركت وبها صبرت وبها صابرت. وحقق الله لهذه الجماهير مرادها، بل هو مراد جميع الشعوب المتطلعة إلى الحرية والكرامة والعدالة. إنها مبادئ جوهرية لا يختلف عليها عاقلان راشدان واعيان. لقد سئم النمر المصري طول مكوثه في القفص، وهو قفص لو تعلمون رديء، فلا هو يُطعم كما يجب، ولا يُعامل كما يليق، ولا يُحترم كما هو مفترض، نعم سئم النمر المصري كل الشعارات الفارغة والوعود الكاذبة والتمثيليات الهزلية التي كانت تجري باسمه دون أن يعرف سوى المخرج والمنتج، وأما الآخرون المشاركون في التنفيذ فلا يعرف عنهم شيئا في حين يصبح النمر طاوياً ويمشي طاويا، بل وذهب أزلام السلطة ميلاً آخر، إذ كانوا لا يملون من (لطش) وجه النمر صباحاً ومساء باسم مكافحة الإرهاب، وتحت طائلة قانون الطوارئ الذي امتد 30 عاماً دون مبرر سوى حماية النظام من الشعب وكأنهما عدوان لدودان لا يلتقيان. و لجميع الانظمة التي تمر شعوبها بنفس المعاناة نقول : انتبهوا للنمور المحبوسة طويلاً! اعتنوا بها وأطلقوا سراحها وحققوا آمالها وطموحاتها..