(سأمصخها) أنا أيضاً وأكتب اليوم عن المشكلة إياها.. مشكلة جدة مع السيول ! التي اشتهرت مدينة جدة بفضلها، والتي لا يوجد على وجه البسيطة من يجهل أين تقع، فلم تعد جدة لغزا يحير المتسابق الصيني أو الغيني في برنامج (من سيربح المليون)..! لأن منظر غرقها بات يصافح عيون الملايين في كل عام. قبل 14 شهراً من تاريخه، كتبت في هذه المساحة عقب سيول ما سمي ب(الأربعاء الأسود) بأن ما حصل قد حصل، ودعونا نعمل من الآن على أن لا تتكرر هذه المأساة، لكن للأسف فإن عملية البحث عن المتسببين في ذلك القصور سرقت الأشهر والأيام والساعات من وقت عملية الإصلاح والبناء، وتفاجأ الجميع بأن (الأربعاء) قد عاد في نفس الموعد وحمل معه أسوأ مما حمله معه العام الماضي. لم أصدق هذه المرة أنني في جدة، فالكاميرات التي تبث وقائع الحدث عبر المروحيات نقلتني إلى مدينة (بندقية جديدة)، الفرق بينها وبين البندقية الأصلية أن هذه تجرف كل ما تقابله أمامها، وينظر إليها بفزع، بينما تلك تستمتع بمنظر مياهها الأخاذ على ظهور المراكب، ولهول الحدث ظننت أن البحر قد هاج وماج، وعانق الجبال التي تحد المدينة من الشرق لولا أنني شاهدت أحد السدود التي تم بناؤها على عجل يذوب كقطعة (بسكويت) في أول اختبار له بعد عملية البناء. لقد توالت علي الإتصالات من الداخل والخارج، من الأصدقاء والأقارب على اعتبار أنني على مرمى (حجر) من موقع تلك الكارثة، كانوا يطمئنون على سلامتي، لكنني أوجعتهم بشقاء وعذاب الآخرين، لأن لكل شارع قصة، وفي كل بيت مأساة، لقد أمست صورة جدة لوحة تضم كل التناقضات، انطباعية وواقعية وسريالية وتراجيدية، هي هكذا، لأنه لا يوجد لمنشآتها أساس، تسقط حواجزها من نسمة، وتذوب بكأس ماء.! ولن يصلح الحال طالما أن المشاريع تطرح للمقاولين في الداخل، لأنها تتعرض للاعبين أساسيين (المقاول ووزارة المالية)، فالمقاول يحاول ما أمكن أن يطعم بعض الأفواه، يوزع المشروع على أكثر من مقاول، حسب الإتفاقيات المبرمة يتبادل فيها الجميع المصالح، ووزارة المالية التي تؤخر حقوق المقاول وتدعوه بطريق غير مباشر إلى الغش في تنفيذ المشروع والاعتماد على العمالة الآسيوية غير المؤهلة لرخصها. الحل يكمن خلف تسليم المشاريع المستقبلية مباشرة إلى شركات أجنبية دون أي وسيط من الداخل، حتى تكون هناك عقود تحترمها وزارة المالية من جهة، ويلتزم بها الطرف الآخر (المقاول)، فيكفي أولئك هذه السقطة ، يكفينا (جسور وأنفاق الشيكولاتة).