على إثر السيول والفيضانات الجارفة التي اجتاحت جدة الأربعاء الماضي مجددا ومع الصور المفزعة والحزينة التي ملأت الصحف والقنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية وغيرها ، كانت ابنتي الصغيرة وجدان تتفرج معي على تلك المشاهد وأفزعها حقيقة ما رأت ، فسألتني بكل براءة وتلقائية قائلة لماذا يا ماما لا يعملون (بلاعة) كبيرة لتنزل فيها مياه الأمطار ويرتاح الناس من الغرق والبهدلة ؟؟؟ سبحان الله حل بديهي جدا ومنطقي جدا وتوصلت إليه دون عناء أو أي دراسات علمية وهندسية متخصصة ومتعمقة فتاة صغيرة عمرها سبع سنوات ولم يتوصل إليه جهابذة من المسئولين الكبار على مدى عقود من الزمان - أنفاق تنقل المياه من شرق جدة لغربها - ورغم تجدد الحدث ورغم الوعود المعسولة والحديث عن أنه قد تمت السيطرة على الوضع إلا أنه عند أول اختبار من الأمطار (يذوب الثلج ويظهر المرج) فهاهو سد أم الخير الاحترازي قد تهاوى ، وها هي الشوارع تذوب كالسكر وتنكشف ، وهاهي الأرصفة تتفكك وكأنها ملصقة بغراء الزجاج كما قالت ابنتي الكبرى التي شاهدت وصورت أنقاض ما بعد الكارثة. ولكن من ناحية أخرى دعونا نرى نصف الكأس الممتلئة ، فلماذا يتحامل الناس على المسئولين بهذا الشكل فكل ما حدث بجدة جميل وفيه خير للجميع ، فبعد الكارثة سينشط عمل (ونشات) جر السيارات وستنشط ورش إصلاح السيارات لإصلاح السيارات المعطلة وسينشط المقاولون لإصلاح البيوت والمرافق والطرق المنهارة وستستفيد محلات المفروشات لاستبدال المفروشات التي غرقت في المنازل والشركات المختلفة ، وكذلك الكهربائيين والسباكين وأصحاب الشقق المفروشة ، وسيارات نقل الموتى ، ومحلات البطانيات والمواد الغذائية ، وسيستفيد الكثير من التجار وتنتعش تجارتهم ، وسينشط المصورون وشركات الاتصالات والمواقع الاجتماعية على شبكة الانترنت والقنوات الفضائية وغيرهم كثير ، وكذلك طلاب المدارس والطالبات والمدرسين والمدرسات والموظفين والموظفات - الأحياء منهم والأموات - يفرحون بالإجازات ، ولا ننسى أسراب الناموس الذين سينتعشون ويفرحون ويتغذون وتتحسن صحتهم ويتكاثرون ويملأون سماء جدة ومنازلها بأصواتهم الجميلة وقرصاتهم المدغدغة المسلية اللاذعة التي ستستفيد منها المستوصفات والمستشفيات والصيدليات ، وحتى ربات المنازل سيفرحون بتغيير أثاث منازلهم التي غرقت بالماء ، وقد عاش الناس بجدة في ذلك الأربعاء مغامرات لم يكونوا يحلمون بها وامتلأت الشوارع بالمسابح العامة المجانية ليمرح بها الكبار والصغار ، ، أما التعويضات ستغطي جميع الخسائر للناس عن السيارات والمساكن والمفقودات وحتى المرحومين ، أما الذين ماتوا غرقا فنسأل الله أن يتقبلهم شهداء ويسكنهم الجنة ، فماذا تريدون أفضل من هذا الخير الذي عم الجميع أيها الشعب الطماع أبو عين فارغة ؟؟؟ فمرحبا بالأمطار والغرق والخسائر وأدام الله لنا المسئولين الذين كانوا سببا لكل الخير الذي عم جدتنا الجميلة. د. إيمان عبد الرحيم ميمني - مكة المكرمة