* اسوأ ما قد يواجه الوطن- أي وطن- نقص الحسّ المدني عند أبنائه. فلا يجد إلاً أفراداً نادرين يعون أهمية بُعْد وطنهم الديني والتاريخي والحضاري!. فقد شغلت الناس مشاكل الطموح، واستيلاء الروح الفردية في المنافسات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والعملية!! فلا يبلغ مرتبة المواطن المخلص مئة بالمئة إلا القليل النادر!! ويزداد الأمر سوءا حينما تغلب النزعة التجارية في الحياة. فلا نجد من يتاجر بالسلع فقط بل نجد من يتاجر بالدين والقانون، والصحافة والإعلام، والعدالة، والمنصب! وبالتهريب أيضاً!!.. مما يشكل الخطر العظيم على البنية الأخلاقية!!. ووطننا.. مثل الأوطان الأخرى.. يعاني من الفساد، والاتجار بالقيم والمبادئ.. واستغلال المناصب والنفوذ!! بالرغم من أنه مجتمع متدين!!. لكن كثيرا منا.. يهتم بإقامة الشعائر والعبادات كمظاهر أكثر من اهتمامه بجوهر الدين الذي يحرّم مثل هذه التجارات الرخيصة، الملوثة بدماء أبرياء دائما أو دموعهم!!. * نعرف جميعنا أن من أمِنَ العقوبة أساء الأدب! .. ولكنا لا نعرف هذا القول كقول يمثل واقعا.. بل نعرفه كواقع يجسد هذا القول!!. فقد شاعت الفوضوية بشكل كبير حتى سادت وصارت النمط المعيشي الغالب على المجتمع.. وأصبح النظام غريبا.. شاذا، يشار إليه بالغمز واللمز والانتقاد والاتهام بالتخلف والرجعية. وتفشى عدم احترام القوانين، وسادت الفروقات الحادة بين الطبقات حتى صار هناك خلل واضح في بنية المجتمع وتماسكه. وصار إلحاق الضرر بالآخرين ضربا من (الفهلوة) والذكاء وبات اغتصاب حقوق الآخرين باسم (الواسطة) نوعاً من اقتناص الفرص. وأصبحت تسمية الأشياء بغير اسمائها الحقيقية تجميلا لواقعها القبيح.. عرفا سائدا، ومنهجا رائجا. * وفي زمن اتسم بلغة الاتصالات.. وتسابقت فيه أحدث التقنيات لتغري الإنسان بالأحدث والأفضل.. من وسائل الاتصال وتقنياته، وأدواته، ومجالاته.. من (انترنت- هواتف محمولة، لفضائيات إعلامية تفرخ المزيد كل يوم- لاتصالات مرئية، لمواقع تعارف، لFace book وB.B وغيرها مما يضيق المقام بذكره..) إلا أننا نعاني من عزلة وتفكك اجتماعي وأسري يدمي الفؤاد!! فلا حوار يجمع أفراد الأسرة. ولا جار يعرف عن جاره شيئا ولا أرحام يتواصلون إلا فيما ندر. ولا علاقات وطيدة لغير المصلحة تعيش وتستمر!!. يأتي العيد بعد العيد لتجد نفسك مجرد رقم في قائمة ترسل اليها رسالة مستنسخة تحمل كل البرود والأخطاء لتهنئك بالعيد السعيد.. الذي سيكون سعيدا كلما كنت فيه بعيدا بل.. وحبك سيزيد!! فلا أحد يرغب في زيارتك، ولا في اتصالك!!. * وفي زمن الاتصالات العجيبة التي تزاحمت وسائلها في بيوتنا نجد في البيت الواحد.. الابنة تحدث امها عبر سالة (SMS) من غرفتها لغرفة أمها.. وليس بينهما سوى جدار وبضع خطوات!!. نتلهف على أقتناء أدوات الاتصال وتقنياته الحديثة.. بل الأحدث.. ليس حبا في التواصل مع الأهل والأرحام.. بل حبا في الظهور، ومواكبة لما يفرضه علينا.. لتبقى في صورة نتباهى بها أمام الآخرين حتى لو كنا نفعل ذلك متخطين مستوى إمكاناتنا ومداخلينا المادية!!. * ولأننا في زمن المظاهر.. وكماليات الكماليات.. أصبح الحكم على المرء مرهونا بما يملك منها..فما عاد يسأل عن خلق ولا دين!! ولا سلوك ولا قيم حتى صارت البيوت تبنى على اختيار (العريس) الذي يمتلك السيارة (الكشخة) والهاتف المتنقل الأغلى والأحدث والذي يتبع الموضة في تسريحته وقصة شعره وبالتأكيد سيكون (COOL) أكثر كلما أسرف في الاهتمام بمظهره ولا بأس لو تدلت سلسلة على صدره.. وخرم أذنه بحلق!! وكان يقضي الساعات في الصالون- صالون الحلاقة- ينتف حاجبا، وينعّم بشرة، ويبرد أظافره!!. والغريب أن نجد الفتاة بعد الزواج بشهور أو بسنة أو سنتين تكتشف أن الزوج ال COOL أو المدجج بكل وسائل الاتصالات، والمظاهر والكماليات يتعاطى المخدرات ويدمنها من قبل الزواج!! فتطالب بالطلاق!! ويثور الأهل على (الزوج) الذي غشهم وقد نسوا أنهم هم الذين أهملوا البحث وراءه عن معلومات حول خلقه ودينه وسلوكه وأصحابه.. والسؤا0ل عن أدق الأمور التي تعطي مؤشرات عن حقيقة هذا الشخص!!. * إننا نشكو زماننا.. ونسينا ما تركه لنا سيد ابن آدم عليه الصلاة والسلام (كتاب الله- وسنته) اللذين لو تمسكنا بهما لفلحنا فلاحا عظيما.. ولما عانينا من كل المشاكل التي نعاني منها اليوم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.