* “مطر الخميس كشف المستور”.. هذا هو العنوان الأنسب في ظني لقطاف (رحمة) ينزلها الرب من السماء، ويفرح بها الكثيرون، ونحن عندنا تتحوّل إلى قطعة من الخوف والهلع!!. * الناس في الخارج “يدقون” الشماسي، ويعبرون الشوارع، ويغتسلون، ويضحكون، في حين أن عندنا لم تستطع “تريلات” أن تعبر الشوارع في المطر!!. * الفرق ببساطة أن لحظة المطر عند أغلب الدول تتحوّل إلى أنشودة مطر تعانق الأسماع في هدوء! وتظل الشوارع على رونقها وهيئتها لم يزد فيها المطر إلاّ مسحة البلل الذي يتلألأ على مسطحات الأسفلت. أمّا عندنا و(يا كافي) الطوفان يجتاح الشوارع!!. ونظل في نهاية (الرحمة) ننتظر وأيدينا على قلوبنا، ماذا ستحمل فاتورة الأضرار؟!. كم غريقا؟ وكم مصابًا؟ وكم محتجزًا؟ وما كمية الدمار؟ * والفرق ببساطة أيضًا أن هناك بنية تحتية حقيقية تقاوم عوامل الطبيعة، رغم أن مواسم الأمطار عندهم طوال العام، أمّا عندنا فبُنيتنا التحتية (خلاخل، وبلاء الداخل) تتساقط من (صفير الصافر)!!. * “وتبغون” الحقيقة أكثر.. فإن الفرق يكمن في نوايا من يضع البُنى التحتية عندنا وعندهم!! هم يحفلون بالصالح العام، ونحن نقبره في (طين) المصالح الشخصية!!. * ودعونا نقترب أكثر من الموضوع!. تكشفت الحقائق.. هناك خلل كبير في المشاريع، وهناك فساد كبير!. هذا عرفناه بصورة أدق العام الماضي بعد أحداث أمطار جدة تحديدًا!. بعض مشاريعنا التنموية أقل ما يقال عنها بأنها (مخجلة)، وأقل ما يُقال عن مَن يقف خلفها بأنهم (مهملون)!!. أنفاق تتحوّل إلى بحيرات، وطرق رئيسة تتساقط، ومشاريع كبيرة للتو تم الانتهاء منها تنهار!!. * ولكن ما لم نعرفه مَن كان يقف خلف هذه المشاريع؟! مَن ذا الذي كان يتلاعب بالمال العام، وبالصالح العام؟! مَن الذي جعل أرواح الناس، ومقدرات الوطن مهرًا لغاياتهم الشريرة؟! مَن الذي جعل مصالحه فوق مصالح العالمين؟!. مَن الذي اغترف غرفة بيده، ثم رمى بالباقي في الطوفان؟!. * بالتأكيد أن هناك هوامير وأرباب مصالح، وهناك مَن هو خلف الستار، ومن يدب من تحت التراب، وهناك مَن هو بالباطن، ومَن هو بالظاهر!. لكن المؤكد أن هؤلاء يحتاجون إلى مطرقة من نار وحديد! فبمثل هذا يرتدع أصحاب النفوس الضعيفة!!. وأمّا المؤكد أكثر فإن الدولة لن تتهاون أبدًا مع مثل هؤلاء! ومَن يعلن الحرب على الفساد لا يقبل المزايدة على مصالح الوطن!!. * عمومًا هذه قضية ليست بالجديدة، فنحن نلوكها من عام، ولكن أثارت كوامنها أمطار الخميس الماضي!!. وليت عندنا جهاز كبير بحجم أهل جدة كي تسمعوا دقات قلوبهم وهم يهربون إلى كل مكان، ويرقبون كل الاتجاهات، وكأنهم ينظرون أو ينتظرون الخطر يقدم في أية لحظة ومن أي مكان!!. أمّا أهل قويزة فهم “عالم من الخوف” قائم بذاته، لأنهم يعيشون أجواء الطوفان، وكل شيء على الأرض لم يتغير، كما هو من العام الماضي!!. * أعود إلى ما أردت الوصول إليه من العنوان!!. أقول مطر الخميس لم يكشف مستور جدة وحدها، فهو قد انكشف من العام “والله لا يكشف لنا ستر”، ولكنه في مكةالمكرمة كشف أشياء كانت مستورة نوعًا (ما). فنفق الملك خالد الجديد الواصل ما بين العزيزية وحي الهجرة والنور امتلأ بالماء، وتحوّلت السيارات إلى ضفادع حديدية، وكادت تحدث كارثة لولا لطف الله. إنه يشبه تمامًا نفق جدة الشهير “المذكور بالخير”!!. في العزيزية الراقية شوارع بكاملها تحوّلت إلى بحيرات وغمرت السيارات تمامًا!. ومثل هذه التجمعات المائية الكبيرة حدثت في العوالي والكعكية والنورية وشارع الحج وغيرها، وحجوزات لأكثر من مئة مركبة، وأحسبوا كم بداخلها؟!. انهيارات ضخمة، وحفر عميقة في أوساط الشوارع، كانت تبتلع السيارات بطريقة دراماتيكية محزنة مضحكة معًا. والناس من بين كل ذلك يعيشون هلعًا كبيرًا، ويتساءلون أمام عدسات الكاميرا عن هشاشة المشاريع، وعن تصريف السيول، وعن الدور الرقابي الغائب، وعن الملايين المهدرة!!. * أمين العاصمة المقدسة أسامة البار يقول بأنه مقتنع بأن الوضع في مكة مطمئن تمامًا!! ولست أدري بعد كل هذا ماذا يقصد الأمين بالاطمئنان؟! إذا كنا نقصد أن تذهب أحياء، وأن تغرق أرواح حتى نقول بأن الوضع غير مطمئن فهذه مشكلة!!. * عمومًا أمام الأمانة والمجلس البلدي والدفاع المدني والنقل والمياه والجهات الأخرى استحقاقات كثيرة!! فنحن أمام أحياء منشأة من 20 سنة، لم تكن تهتم بالتصريف كما قال الأمين، وأمامنا مخططات بأكملها في مجاري السيول، كما يقول الدفاع المدني!. وأمامنا الكثير.. حتى نتفادى الكوارث بدلاً من الندب على نتائجها. أمّا ما أطالب به، وأن يكون أمام كل شيء، فهو “الأدوار الرقابية” الغائبة، وللحق فإمارة منطقة مكةالمكرمة تأخذ على عاتقها هذه الأدوار، في ظل غيابها داخل ممرات البيروقراطية عند كثير من الجهات!!. خاتمة: كان “الأطفال” يتراقصون تحت المطر: “يا مطرة حطي حطي”.. أصبح “الكبار” يبتهلون من الخوف، ويسألون الله اللطف.