قرأت ما كتبته (غدير شوطان اللحياني) في ملحق الرسالة يوم الجمعة 7/11/1431ه والذي هو بعنوان: (الشواهد التاريخية تدل على ارتباط اللحيانيين بدولة لحيان) معقبة على (طبقات التاريخ) للفايدي، ما يهمني في مقالة أختي غدير شوطان هو الربط بين قبيلة لحيان الهذليّة وأصحاب المملكة اللحيانية الغابرة، مع أن هذا الربط لا يستند إلى قرائن سليمة أو أدلة صحيحة، إلاّ ما ذكرته من دعوى "الشواهد التاريخية" وتعني بها "الوسوم" مع أن الشواهد التاريخية مفهومها أوسع وأشمل من كونها الوسوم فقط، بل إنّ الشواهد التاريخية تتضمن عدة قرائن من ضمنها "الوسم" والوسم وحده لا يصلح بأن يكون قرينة على وجود علاقة نسب، ويعرف ذلك من له أدنى معرفة بهذا العلم. استندت غدير شوطان على وجود علاقة مزعومة، ومستندها وسم قبيلة لحيان المنقوش في ديارها في وادي سرف وغيره، وهو "الأربع مطارق" ووجوده أيضًا في تبوك وليس في العلا كما تقول -وعلى كل حال- وعلى فرضية وجوده في تبوك أو في العلا، فإني أقول: الاستناد إلى مثل الربط الهش، أمر غريب جدًا، في إثبات مثل هكذا علاقة!! فوجود وسم قبيلة لحيان الهذليّة في ديارها أمر طبيعي، وليس مستغربًا، أما وجوده في تبوك أو في العلا كما تقول الكاتبة فهو ليس مستغربًا أيضًا، إذا علمنا بأن وسم الأربع ليس وقفًا على قبيلة لحيان الهذليّة، وليعلم الأخ غدير شوطان، بأن هذا الوسم موجود لدى ثلاثة قبائل تختلف في نسبها عن قبيلة لحيان الهذليّة، فهذا الوسم نفسه، يسمه "السلمات" من فروع عنزة التي تقطن إمارة الشمالي في منطقة حائل، يسمونه على الفخذ الأيمن، ويسم هذا الوسم قبيلة ولد سليم إحدى قبائل حرب في منطقة حائل شمالي نجد، ويسم هذا الوسم أيضًا فرع الحوامدة من قبيلة العمران، والبسسة وكليهما من الحويطات، كل هذه القبائل تشارك قبيلة لحيان في هذا الوسم مع اختلاف في موضع الوسم وجهته، ولكن عند نقشه على الحجر لا يذكر الموضع ولا الجهة، ثمّ إذا أردنا أن نحّكم العقل والمنطق، فإن القبائل المذكورة آنفًا غير قبيلة لحيان، هي أولى بهذا الوسم لقرب ديارها من تبوك أو العلا، بخلاف لحيان التي تقع ديارها في مكةالمكرمة، وهنا أقول: هل يقول عاقل مثلًا بأن هذه القبائل تعود بنسبها إلى قبيلة لحيان؟ وما الذي يمنع أن يكون رجل لحياني أو أيّ فرد من أفراد القبائل المذكورة آنفًا، أن يقوم بنقش هذا الوسم ذكرى لحادثة أو معركة أو غير ذلك وهذا ما تفعله العرب عادة؟ ثمّ إن نقش الوسم على صخرة لا يفيد أنه وسم قبيلة ما في ديار بعيدة، لأنّ مواضع الوسوم تختلف من قبيلة إلى قبيلة أخرى، وعلى سبيل المثال: وسم قبيلة لحيان على الفخذ الأيسر من الإبل وعند غيرها من القبائل المذكورة على الفخذ الأيمن كما نجده عند قبيلة أخرى على العنق سواء في الجهة اليمنى أو اليسرى، وهنا يتضح أن هذا الوسم غير ذاك لاسيما مع تباعد الديار وعدم وجود قرائن أخرى سليمة، فالوسوم تتشابه، كما أنّ الأسماء تتشابه، ولم يقل احد من أهل الاختصاص والعلم إن الوسم يصلح بأن يكون قرينة، أو شبه دليل على وجود علاقة بين مسميين مختلفين في النسب، وبينهما فترة زمنية شاسعة، ومسافة مكانية بعيدة ناهيك عن أنّ هذا الربط الهش يتعارض تمامًا مع النصوص التي يُستنبط منها نفي العلاقة المزعومة، ويتعارض مع الإجماع المعتبر في نسب لحيان بن هذيل بن مدركة، ولولا الإطالة لذكرت تلك النصوص الصحيحة، وسردتُ ذلك الإجماع على نسب لحيان بن هذيل. وما أشارت إليه غدير شوطان من محاولة بعض الباحثين المعاصرين تقصي علاقة ونسب قبيلة لحيان مكة، بلحيان المملكة، وذكرها للدكتور جواد علي وكتابه "المفصل" والدكتور مساعد بن منشط اللحياني، وكتابه "لحيان بين العلا ومكة" والأستاذ عمير بن عويمر اللحياني، وكتابه "لحيان عبر التاريخ". فأقول: مع وجود فارق كبير بين الدكتور جواد علي، وبين منْ ذُكر من الأخوين، فأني أجزم بأنّ الأخت الكاتبة لم تقرأ كتابيّ مساعد بن منشط أو عمير بن عويمر أو أنها لم تستوعب وجهة نظرهما، أو أنّ الكاتبة على بصرها غشاوة لا أرى إلاّ المملكة اللحيانية التي تريدها بأي ثمن وصدق الله جلّ شأنه (إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). أما فيما يخص الدكتور جواد علي، فأني أحيل الكاتبة والقارئ الكريم إلى ردّ الدكتور عبدالجواد الطيب على الدكتور جواد علي، ونفيه لهذه العلاقة، في كتابه "هذيل في جاهليتها وإسلامها" ص 37، 38، 39، 40، وأنصح بالرجوع إلى ما كتبه عبدالجواد الطيب فهو أنفس ما قرأته في هذه العلاقة المزعومة، ولولا الإطالة لنقلته، فقد ذكر كثيرًا من الاستشهادات التاريخية والشعرية والمنطقية، على نسب لحيان بن هذيل ونفي أي علاقة لها بالمملكة اللحيانية وخلاصة ما توصل إليه الطيّب قوله نصًا: (والحق أن بني لحيان الهذليين هم فيما أرى من هذيل لحمًا ودمًا وهم غير اللحيانيين القدامى ذوي التاريخ العريق المعروف) أما وجهة نظر الأخوين الكريمين مساعد بن منشط، وعمير بن عويمر المتناقضتين تمامًا، والتي لا يمكن الجمع بينهما البتة، لا في النسب ولا في أصل العلاقة، فقد تمّ رفع ملحوظات مهمة بخصوص ما جاء في كتابيهما من مغالطات وخلط ومتناقضات وأخطاء عامة، تضر بقبيلة لحيان أكثر مما تفيد، والملاحظات والمعاملة لدى وزارة الثقافة والإعلام، وما زالت في بداياتها وسوف أنشر هذه الملاحظات المسماة (التوضيح والبيان فيما يخص مملكة لحيان) كاملةً وهي مكونه من 57 صفحة إذا استلزم الأمر نشرها واقتضت المصلحة ذلك. أما ثناء الأخت غدير على مقدمة الدكتور الأنصاري في كتاب الأخ مساعد بن منشط. فأقول: لا يشك أدنى من له معرفة بزيارة الدكتور الأنصاري ورفاقه، لقبيلة لحيان عام 1415ه وما أقيم له من حفل كبير، له تأثير على ما كتبه في مقدمة الكتاب، وأن ما ذكره في مقاله الذي نُشر في جريدة الجزيرة، هو مجاملة للقبيلة وللواء الدكتور مساعد بن منشط، مع كونها مجاملة أعتبر أن ما طرحه في مقاله هو مجرد تساؤلات يتمنى أن يجد لها جوابًا شافيًا لدى المختصين ولم يجزم بوجود علاقة واضحة، وإنما هي إشارات يرى الأنصاري أنها قرائن، وهي ليست كذلك، ولعله يتبرأ مما قاله في هذه العلاقة كما تبرأ الدكتور عاتق البلادي رحمه الله قبل وفاته.