ليلة البارحة، كسرت ساعتي البيولوجية، وتجاوزت منتصف الليل بساعات. كنت أريد أن أعرف أسرار ذلك السهر، وذلك العشق الذي كان يسكنه. مررت به، أو هو مرّ بي. لا أدري! ولكنني متأكد أنني مررت عليه ذات ‘‘أربعاء''. غير أن ساعاتنا البيولوجية متعاكسة إلى حدّ كبير. فحينما نلتقي عادة مساءً – لا أذكر أننا التقينا نهاراً أبداً – حينها يكون هو في بداية اشتعاله، وأكون في بداية انطفائي. ثم يزيد هو توهجاً كلما تجاوزت الساعات منتصف الليل. هو عاشق لهذه ‘‘العروس''. سطر من منظوره الخاص تاريخها في كتاب. ورسم لوحات من ‘‘حكايات حارتها'' ورغم أنه كتب أن ‘‘الساعة تدق مرتين'' إلا أنني متيقن تماماً بأن ما يهمه من الزمن هو عندما تدق مرة في ليل عروسه الناعسة. من السذاجة أن نسأل لماذا؟ فهو سؤال مثل: لماذا يعشق النحل الزهر؟ أليست علاقتهما تصل إلى حميمية الحياة، ومقومات الوجود؟ قد يصفها بعضهم بأنها تبادل مصالح. ولكنها أكبر من ذلك. فتأمل: تأخذ النحلة الرحيق لدوام النتاج والحياة، لتمنح في المقابل اللقاح لاستمرار الإثمار، وحيوية البقاء! هو بحار بلا ‘‘سنبوك''. على عكس أبيه الذي عاش للبحر ومن البحر. ولكنه أورثه ثلاثة أشياء؛ عشق البحر بعذابه وعطاياه وغموضه وروعته وإبائه. وعشق جدة بشدتها وإنعامها وسحرها وموقعها بين أم القرى والمنورة. وعشق الحارة بأهلها وأعرافها وشيمها ولحمتها ولغتها. من أجل هذا، فلسانه لا ينطق إلا لهجتها برغم التعليم في مكة، والثقافة والأدب وعلم النفس في الكتب، والدراسة في أمريكا. ومن أجل هذا اشتهر بأنه ‘‘العمدة'' لأنه صورة بيئية غير متحولة، وضمير غير متقلب الهوية. عندما كتب في ‘‘الشرق الأوسط'' مقالاً يومياً، حزنت على الأدب الراقي واللوحات المبهرة التي كان ينثرها من وقت لآخر. فالأدب لم يخلق لهذا. ولكن الأديب لا يستطيع أن يخرج من إهابه. عدت سالماً معافىً يا صديقي. 02 6999792:فاكس [email protected]