في ملحق الرسالة المديني الجمعة 14 جمادى الآخر 1431ه قال الدكتور هاني بن عبد الله الجبير القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة: إن وجود حاجز بين النساء والرجال في المسجد أوجده زيادة الاحتياط ولي ملاحظات عدة على ما ذكر أناقشها على عجل: لماذا يعتقد البعض أنه أعلم من الله ورسوله بما ينفع هذه الأمة حتى يزايدوا على تعليمات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد حدد نبي الأمة ومعلمها أن خير الصفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء وهذا ما فعله عمر وأمر به بن أبي حتمة أن يصلي بالنساء التراويح في أواخر المسجد، وأفعاله عليه الصلاة والسلام وأفعال صحابته من بعده تعاليم لنا نحن المسلمون لكل زمان وفي أي مكان لا يجوز لنا أن نضيف ونعدل على قوله عليه الصلاة والسلام وندعي أن هذا الأسلم والأحوط في شرع الله. إن صفوف المصلين في المساجد ومنذ فجر الإسلام الأول وإلى عهد قريب قبل عهد الصحوة المزعومة تتم دون حواجز وأدوار عليا أو سواتر، فالحائل في المساجد هو من الهيئات المستحدثة في دين الله. وقد حذرنا الرسول عليه الصلاة والسلام من محدثات الأمور فإن لكل محدثة بدعة وكل بدعة في النار، ورد في سنن الدرامي 1/280 أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود إني رأيت في المسجد أمر أنكرته قال ما هو؟ فقال رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مئة فيكبرون مئة فيقول هللوا مئة فيهللون مئة ويقول سبحوا مئة فيسبحون مئة فقال ابن مسعود: والذي نفسي بيده أنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة. فقالوا يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلاّ خيراً. فقال: وكم من مريد للخير لا يصيبه؟ فهذه الرواية أشبه بقول الشيخ الجبير أن وجود الحائل زيادة في الاحتياط. يقول عليه الصلاة والسلام اتبعوا ولا تبدعوا فقد كفيتم البخاري 1/173. فرسول الهدى وضح لنا كل كبيرة وصغيرة في هذا الدين وقد وقف يوم عرفة مبشرًا بأن الله أكمل علينا دينه وأتمم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام دينا تركنا على المحجة البيضاء فما أحله الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسيى يقول الحق سبحانه وتعالى (وما كان ربك نسيّا). ويكمل الشيخ الجبير بقوله (لا شك أن النساء كن يصلين في مسجد رسول الله دون وجود حائل بينهما وبين الرجال ولكنهن كن علي جانب من الستر والعناية) وهذا إن شاء الله حال المسلمات في بيوت الله حتى يومنا هذا فلا يصح أن نجعل نساء اليوم ممن يترددن على بيوت الله أحبلة الشيطان ومصيدة للرذيلة ووسيلة للإغراء والإغواء وبيوت الله ما جعلت إلا للعبادة ففيها القائم والراكع والساجد والقارئ يخشون ربهم ويطلبون مغفرته ورحمته. ولو كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يرى أن المصلحة والواجب تقتضي حجب صفوف النساء أو وضعهن في أدوار عليا لأمرنا بهذا فهو الأحرص على مصلحة الأمة. ولكن الهاجس النسوي حتى في دور العبادة قد بلغ مداه ضد المرأة وقد ذكر لنا الشيخ أحمد بن باز في الوطن ما لاقته امرأة في بيت الله الحرام على يد رجل ذكر أمام عينيه إهانة وغلظة لقد أراد بعض الصحابة من باب الغيرة على نسائهن أن يمنعونهن من المساجد فقال لهم الرسول لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فهل واضعي حواجز هذه الأيام هم أشد غيرة على النساء من رسول الله؟ إنه نوع من الاستدراك والتعقيب على كلام الله ورسوله، ولأن رسول الله هو الأحوط والأقدر على حفظ مكانة النساء في المسجد أن هذه السواتر والحواجز والأدوار العليا فيها محظور شرعي وهو أن الصفوف الأرضية للرجال إذا تقدمت عليها الصفوف العليا للنساء بطلت صلاة الرجال القائمين في الصفوف المتأخرة عنها لأن حكم الجو وما ارتفع يأخذ حكم الموقع في الأرض مثل مواقيت الحج والعمرة فالحاج والمعتمر له أن يلبس الإحرام في الطائرة عندما يحاذي الميقات مثله مثل المحرم من الموقع في الميقات ومثل الذي يصلي فوق الكعبة فصلاته باطلة مثله مثل الذي يصلي داخل الكعبة فالفراغ العلوي للكعبة يأخذ حكم الكعبة نفسها وغيرها من الأمثلة ولا أدري من أين أتى الشيخ الجبير بقوله أنه يجوز متابعة الإمام والاقتداء به ما دام المأموم معه في فناء المسجد ولو وجد حائل يمنع من رؤية الإمام ومن ورائه على مذهب الإمام أحمد وقد ورد عن البهوتي في كشاف القناع1/494 على المذهب الحنبلي فصلاً كاملًا في أحكام الاقتداء وذكر حديث عائشة عندما قالت لنساء يصلين في حجرتها وكانت ضمن المسجد لا تصلين لصلاة الإمام فأنكن دونه في حجاب. كما ذكر ابن تيميه في فتاويه 23/410 وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعن التكبير فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قول العلماء. وقد اشترط المصنف اتصال الصفوف في رؤية الإمام وقال الإمام أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة (أرجو أن لا يكون به بأس وهو عين الصواب في الجمعة وللضرورة. كما ورد في الإنصاف للمردواي وهو من أئمة الحنابلة 2/287 قوله يشترط لصحة الاقتداء اتصال الصفوف على المذهب وهذا شرط في صحة الصلاة المكتوبة ويجوز خلاف ذلك في صلاة الخوف أو القيام والتراويح والنوافل عموماً أما الفريضة فلا عند أحمد ولا غيره من الأئمة تجوز الصلاة بانقطاع الصفوف. لقد أجمع الجمهور أن الإمام إذا لم ينو إمامة النساء فلا تصح صلاتهن ذكره ابن همام فتح القدير 1/314 وحطاب في مواهب الجليل 2/124 والمبسوط للسرخسي 1/184، فالنية لا تنعقد ولا تصح ما انعقدت عليه من العبادة على الشك. لأن الإمام قد لا يعلم بوجود نساء في الدور العلوي أو خلف الساتر والحجب. عمومًا إن بيوت الله كافة الأصل في حقها ألا يجري فيها من الأحكام إلا ما أنزله الله وبينه رسول الله، مختلفًا تمامًا مع ما ذكره الجبير أن هذه المسألة من مسائل الاختلاف الفقهية وليست من مسائل الوفاق، بل هي مكان اتفاق من كافة المذاهب، فلا نزايد على كلام الله ولا نحدث في ديننا ما لم يأمر به الله ورسوله. • باحث شرعي E. Mail: [email protected]