دولة قطر الشقيقة -ليس فحسب- حققت أحلام وأمنيات أبناء الخليج العربي، بل أبناء عالمنا العربي قاطبة، بنجاحها في استضافة كأس العام لعام 2022م، كما أن قطر لعبت وتلعب دورًا كبيرًا وملحوظًا في حل الخلافات الخليجية والعربية، ولو استعرضنا بعضًا من تلك الأدوار لوجدنا أن سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثان، أمير دولة قطر، أصدر أوامره بالعفو عن المسجونين السعوديين في دولة قطر استجابة لطلب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- يحفظه الله- وهذا ليس بمستغرب على سموه الكريم فهذا يدل على نبله وأصالته العربية. كما أن سمو أمير دولة قطر ليست هذه المرة الأولى التي يستجيب فيها لمبادرة خادم الحرمين الشريفين بل إن استجابته الأخرى تتمثل بقبوله لتوسط الملك عبدالله بن عبدالعزيز بين الأشقاء في دولة قطر ومملكة البحرين بخصوص تعيين أمين عام لمجلس التعاون الخليجي الذي سوف يتسلّم عمله في بداية عام 2011م والذي نتمنى له التوفيق والنجاح. فنجاح أي تكتل خليجي يتمثل بحل المشكلات والقضايا العالقة بين دول مجلس التعاون داخل البيت الخليجي فقط دون أي تدخل خارجي يغلب فريق على فريق آخر، “فأهل مكة أدرى بشعابها” فدولة قطر، والحق يقال، في عهد الشيخ حمد، خطت خطوات جبارة في جميع الميادين واستطاع سموه في فترة وجيزة أن يجعل من دولة قطر محط الأنظار ومحور الانتباه لهذه الدولة الفتية التي أصبح لها شأن في المحافل الدولية وذلك لاعتدال سياستها وتوجهاتها المدروسة. نحن هنا لا نبالغ ولا ننافق ولا ننحاز ولكن الواقع يقول لنا إن قطر اليوم مختلفة تمامًا عن قطر الأمس بسبب السياسة الحكيمة التي ينتهجها ويتبعها أميرها الشيخ حمد بن خليفة وبعد نظره وقراءته للوقائع والأحداث قراءة متأنية جعلت منه ربانًا ماهرًا يقود السفينة القطرية بكل مهنية واقتدار إلى بر الأمان. سياسة دولة قطر في جميع المجالات وبخاصة الاقتصادية منها نجحت فلم نسمع أن دولة قطر تعاني من مديونية، ولم نسمع أنها تأثرت بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها الدول المتقدمة قبل الأقل نموًا والنامية والأكثر نموًا، وهذا يجير للسياسة الاقتصادية الفاعلة التي تنتجها دولة قطر القائم على تنويع مصادر الدخل واتباع المثل القائل “مد رجلك على قدر لحافك”. قطر اليوم تلعب دورًا كبيرًا ومهمًا في إحلال السلام والوئام في دارفور السودان تشكر عليه لمنع أي تدخل خارجي يعبث في السودان وأمنه ويجعله بؤرة صراع من أجل تفكيكه وإشغاله في حروب، ليس السودان خاسرًا فحسب بل نحن العرب أيضًا خاسرون، لأن استقرار السودان وأمنه يهمنا جميعًا، فالسودان لو يتحرر من التدخلات الخارجية وأصبح تركيزه على النهوض بالسودان وجعله سلة الغذاء لعالمنا العربي لاكتفينا ذاتيًا، ولكن قدر السودان ومشكلته أنه كل يريد أن يضع له موطئ قدم فيه وبخاصة من الداخل مدعومًا من الخارج لتنفيذ سياسات وأجندات معروفة ولا تخفى على الجميع، ونحن العرب مع الأسف نتفرج على تلك المهازل التي تجري في سوداننا العزيز دون حراك. كما أن قطر قامت وتقوم بدور مهم وفاعل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومحاولتها رأب الصدع بين الاخوة في فلسطين. وإذا كانت دولة قطر تقود مبادرات خليجية وعربية تشكر عليها فإن الأشقاء في الدول الخليجية الأخرى عليهم أن ينهجوا النهج القطري في حل الخلافات الخليجية داخل بيتنا الخليجي، فدولة الإمارات وسلطنة عمان نطالبهما الآن الانضمام إلى الوحدة الخليجية النقدية والعملة الموحدة، ونحن دائمًا على ثقة بقادتنا في دول المجلس بأن يتخذوا المبادرات الخلاقة التي تكرس العمل الخليجي المشترك وتعيد لخليجنا وحدته وتكاتفه وتعاونه. فالمملكة حكومة وشعبًا تقف مع الأشقاء في الإمارات وتطالب إيران باحترام الجوار وإنهاء احتلالها لجزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى، فجلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، وسمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، يحرصان كل الحرص على مجلس التعاون الخليجي وهما من المؤسسين للمجلس والداعمين له، فنحن كشعوب منطقة نريد ليس فحسب عملة موحدة تساعد في تنقل رؤوس الأموال بين دولنا الخليجية وتدوير العملة في كل جزء من خليجنا الحبيب بل انصهارًا كاملًا بين شعوبنا الخليجية وتنقل العمالة ما بين دول المجلس والمعلمين في التعليم العام وأساتذة الجامعات والأطباء والخبراء والمتخصصين الخليجيين للاستفادة منهم في كل شبر في منطقتنا الخليجية الموحدة إلى غيرها من الأمور الأخرى. نحن هنا، كشعوب خليجية، لا نستجدي أحدًا وفي الوقت ذاته لا نفرض مطالبنا على الشعوب وقادتها، بل إن المصلحة العامة ومصالحنا الخليجية العليا فوق كل اعتبار، وفوق كل خلافات شخصية كانت أم غيرها وتحتم علينا التكاتف والوقوف صفًا واحدًا أمام التحديات التي تواجهنا كدول المجلس من كل حدب وصوب، فتكاتفنا يؤلم بل يحبط مخططات المتربصين بنا كدول وشعوب. نعود إلى دولة قطر ونجاحها في استضافة كأس العالم والذي يعود الفضل فيه بعد الله سبحانه وتعالى إلى اهتمامها بالبنى التحتية من إسكان واتصالات ومواصلات ومياه وكهرباء وصرف صحي وطرق وتعليم وصحة وغيرها من المرافق التنموية التي تعتبر المحك والمعيار بل الترمومتر الذي يقاس به تقدم ونمو وتطور أي دولة في العالم. فقطر اليوم ببنيتها التحتية مختلفة تمامًا عما كانت عليه في الماضي القريب، إضافة إلى أن تنظيم كأس العالم يرغم أي دولة على -ليس فحسب- تحديث بناها التحتية بل إيجاد غير المتوفر منها والمحصلة دولة عصرية تأخذ بأسباب التقدم والتطور والتنمية والرخاء فهي فرصة ذهبية لأي دولة تنجح باستضافة هذا الحدث المهم والكبير كون المشروعات الرياضية وما يتبعها من بنى تحتية باقية لأجيال أخرى وتخلق لهم فرص عمل وغيرها من سبل الرفاه والرخاء، إلى جانب أن التكلفة المالية لتلك المشروعات لاستضافة كأس العالم تستردها الدولة المنظمة في أثناء بداية انطلاقة المسابقة فليست هناك خسارة بل مكاسب على جميع المستويات. ونحن هنا كشعوب عربية وخليجية يجب علينا أن ندعم دولة قطر بكل ما أعطينا من قوة وكذلك الدعم مطلوب من بقية الدول العربية فهي مؤهلة لذلك وتستحق منا الدعم والمؤازرة والإشادة فهي تظل بيتنا الخليجي وكذلك بيتنا العربي. فالرياضة دائمًا تهذب النفوس من خلال المنافسات الشريفة وتوحد الشعوب ولا تفرقها مثلها بالضبط مثل الاقتصاد ومصالحه المتبادلة. نخلص إلى القول إن دولة قطر تستاهل وتستحق استضافة هذا الحدث الكبير، ولها منا كشعوب خليجية وعربية الدعم والمؤازرة والتشجيع فهي تظل، كما أسلفنا، بيتنا الخليجي والعربي، وبالتوفيق إن شاء الله لأشقائنا في دولة قطر الشقيقة وإلى مزيد من التقدم والرخاء. [email protected]