من خلال التجربة فقط يمكن تقييم أي منتج جديد أو نظام أو أسلوب ومعرفة الحقيقة، لا عن طريق التوقع والتنظير والمزاج الذي لا يستند إلى دراسة عميقة ومن جميع الجوانب لتتضح بذلك الايجابيات والسلبيات، وما يثير الدهشة والاستغراب أننا غالبًا نُحمل كل جديد أكثر مما يحتمل سواء كان فكرة أو تقنية حديثة وننظر له بعين المؤامرة والاستهداف وإفساد المجتمع، فيكثر المجتهدون هذا يُحرم وآخر يدعو للمقاطعة وثالث يُطالب بالمنع وكل طرف يُحاول إثارة الرأي العام بطريقته وحشد اكبر قدر من الأنصار بالمقابل ثلة قليلة هم من يؤيدون التريث والنظر بعينٍ ناقدة بعيدًا عن العواطف الجياشة والحماس المفرط، وما يُثير الحيرة والتساؤل انه بعد حين من الدهر تجد الجميع يستخدم هذا الجديد ويستفيد منه بما فيهم من وقف بكل قوته ضده عندما يكتشف ويتيقن أن خوفه واتهامه في غير محله، وهذا إن دل على شيء يدل على أن ثمة سوء فهم وسوء ظن يتزامن مع جديد العصر ومفاجآته نتيجة التشبث بالماضي وعدم مسايرة المستجدات واعتقاد أن ما لم نتعود عليه شر يجب مقاومته، والدافع لهذا بكل بساطة هو الجهل بالشيء (الجديد) وعدم قدرة بعض العقليات على الفهم الصحيح إلا بعد حين. والحقيقة أن ذاكرة تاريخنا حبلى بالكثير من الشواهد، ففي الوقت الذي كان الغرب ينشر العلم بطباعة آلاف الكتب نجد الامة العربية تراهن على الطريقة التقليدية وتحظر استخدام المطبعة لأسباب واهية، أما على المستوى المحلي فثمة من تخوف من تعليم المرأة النظامي ومن اعتقد أن التلفاز الأداة التي سوف تُدمر القيم والأخلاق، وحتى جهاز الجوال المزود بكاميرا احدث بلبلة وصخبًا في بداياته، والأمر نفسه فيما يتعلق بالآراء أو الأطروحات التي لم يتعود المجتمع سماعها. للأسف ان اغلب الأصوات التي يتزامن سماع دويها في فضاء الإعلام مع بعض المستجدات أو المتغيرات أما غير متخصصة لتستطيع تقييم الجهاز التقني الحديث أو الرأي أو الفكرة على سبيل المثال، أو إنها تضع مصالحها الشخصية نصب أعينها من شهرة أو كسب مادي أو غيره وتسعى لبلوغها بأي ثمن ولو على حساب المصلحة العامة، وهناك نوعية من الأصوات تريد أن تكون وصية على المجتمع اعتقادًا منها أنها هي الأعلم بمصالحه، وترفض حتى مجرد النقاش أو الحوار بل تصف الرأي الآخر بالعولمة والتغريب. نحن لا نريد أن نكون مجتمعًا يقبل كل شيء وبخاصة ما يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا، ولا ينبغي أن نُهرول وراء كل رأي ونجاريه دون معرفة المسار والهدف الذي يصبو إليه، لكن لا نرغب أن نعيش بمعزل عن العالم ونضع جدارًا عازلًا. بيننا وبينه بدافع الخوف والقناعات غير المبررة، كذلك لا نود أن نرفض الرأي الآخر لأنه لا يتوافق مع توجهاتنا. أخيرًا دعونا نعطي العقل مساحة كافية لئلا يأتي زمن ويصبح حكمنا في غير محله، فديننا ولله الحمد صالح لكل زمان ومكان، والحياة بطبيعتها لا تبقى على حال لذا علينا مواكبة العصر والتحرك بطريقة تقدمنا خطوات للأمام كي لا نجد أنفسنا متفرجين على بطولات غيرنا. عايض الميلبي - ينبع