من يتابع الوسط الإنشادي في الفترة الأخيرة يجد أنه يمر بحالة “ركود” عجيبة سواء من ناحية الكليبات أو الألبومات أو المهرجانات، فمعظم المتابعين لهذا المجال يشكون قلة الفعاليات الإنشادية أو انعدامها من الأساس، ومع توفر أعمال إنشادية عديدة إلا أنها ذات بُعد شخصي ولا تجد الداعم لها وكأن المتابعين لها لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، “الرسالة” حملت هذا التساؤل لأصحاب الشأن في هذا المجال من منشدين ومنظمين ومتابعين فكان التالي: ازدهار ونجاح بداية أوضح المستشار الإعلامي والمهتم بالإنشاد رياض الفريجي أنه مع من يقول أن هناك ركودا في المبيعات كاسيت وأسطوانات، لكنه يختلف مع من يرون وجود ركود عام، ويقول: أدلل على حديثي بأنه لا يمر يوم إلا وهناك أنشودة جديدة عبر الشبكة العنكبوتية سواء لمنشدين معروفين أو منشدين جدد وصاعدين، فالمجال الإنشادي حاليًا يعيش فترة ازدهار من ناحية الجمهور، الذي هو في تزايد، بل إن بعض جمهور الأغاني بدأوا يعرجون على النشيد في بعض أوقاتهم وهذه بادرة خير، مما يعني أن النشيد بدأ يسحب البساط من الأغاني. وأبان الفريجي أن جمهور النشيد أصبح جمهورًا ذواقًا ولا يعجبه إلا العمل الجيد، مما يزيد المسؤولية على أصحاب المجال المحترفين فيه كمنشدين أو منتجين، فالجمهور الذي كان يقبل الغث والسمين أصبح يفرق بل ينتخب ما يشتريه أو ما يسمعه. لذلك لا بد للمنشدين أن يعتنوا بما يقدمونه ويراعوا فيه عناصر الجدة والجودة والرقي والأصالة ليبقى النشيد أطول مدة في ذهن المستمع، فهناك أناشيد تظل تردد لفترات طوال، ويستمع لها الشخص مرات عديدة، بل ربما يحفظها عن ظهر قلب، وبالمقابل هناك أناشيد تستمع لها لمرة واحدة ولا تفكر أن تعيد سماعها مرة أخرى فضلًا عن ترديدها. ووجه الفريجي رسالة لجماهير الإنشاد قائلًا: رفقًا بإخوانكم فهم بشر، وحسبهم أنهم مجتهدون، فإن رأيتم خللًا فدونكم التواصل الشخصي مع من أخطأ، ولا أظن أن إيصال الرسائل للمنشدين أو الشركات الفنية صعب في هذا العصر، فوسائل الاتصال الحديثة في متناول الجميع وليس شرطًا أن يتم الرد على ما أرسلته، إن عليك إلا البلاغ، فدعم المنتجات بشراء النسخ الأصلية لها من الأسواق أو محال التسجيلات يسهم بلا شك في دفع مسيرة الإنتاج قدمًا. نهاية عصر الكاسيت ويتساءل المنشد المعروف أمين حاميم عما يقال من ركود، مبينًا أنه لم يلحظ هذا الركود، قائلًا: المجال الإنشادي في الفترة الحالية من أبرز المجالات وليس كما كان في السابق يعاني من قلة واهتمام المتابعين له والمهتمين به. الركود الذي نشهده في الساحة عبارة عن ركود في البيع والشراء وليس في المهرجانات وهذا حاصل بسبب توفر “مواقع” الإنترنت وسهولة تبادل آخر الأناشيد والأغاني في نفس اللحظة دون عناء الشراء، يمكنني القول بوضوح أن سوق الكاسيت قد انتهى والناس تركت البيع والشراء وأصبحت تتجه لمواقع الإنترنت. وأضاف حاميم: الوسط الإنشادي يختلف من بلد لآخر، فبعض البلدان تجد الإنشاد بها في قمة النشاط وبعضها نجدها تعاني من الركود. في الفترة الأخيرة لم نعد نسمع بمهرجانات ذات مستوى كبير في المجال الإنشادي أو أنها قلت بدرجة كبيرة بسبب حاجتها لتجهيزات مادية ضخمة، وكذلك هي بحاجة لدعم مادي قوي وهذا الذي ساهم في ركود بعض المهرجانات. حقوق الملكية أما المنشد عبدالحكيم المقبل فله رأي مغاير، حيث يؤكد أن الإنشاد يعاني في الآونة الأخيرة من ركود كبير ويقول: الجميع يشتكي من هذا الركود وخاصة في مجال الألبومات لأنها سرعان ما توجد في مواقع الإنترنت بعد صدورها مباشرة، وهذه التصرفات تؤدي إلى خسائر فادحة بالشركات المنتجة. ومضى المقبل قائلًا: رغم أن وجود الألبومات على الإنترنت يحقق سرعة الانتشار وتعدد المنتديات الإسلامية وكذلك وصول الأنشودة لأكثر فئة معينة، لكن على الجميع أن يدرك أن هذا التصرف يضر بالمجال الإنشادي ويجعل أكثر القائمين عليه يتركونه، ويؤثر في نفس الوقت على الإنشاد بشكل سلبي. لذلك أطالب الجميع بأن يسعوا جادين للحفاظ على حقوق المؤسسة والمنشد لكي نرى الإبداعات في المستقبل القريب. ونوه المنشد المقبل أن هناك سببا آخر وهو توجه أكثر المنشدين للفيديو، وقال: العالم يعيش الآن عصر الفيديو وهو الذي يضمن انتشارًا أوسع في كل المجالات ومنها المجال الإنشادي، وعند إصدار فيديو كليب لمنشد معين، فإن صداه سيكون أكثر من أي إصدار آخر سواء لأنشودة أو ألبوم وإن كان ألبوما كاملا. المشاركة في النجاح ويوافق المخرج ناصر المحمد على ما ذهب إليه المقبل قائلًا: الوسط الإنشادي أصبح يعاني في الفترة الأخيرة من ركود عجيب وعدم اهتمام ومتابعة من قبل جماهير هذا الوسط، وهذا الأمر الذي لا يرجوه الكثير من عشاق هذا الفن. وأرى أن السبب في ذلك يعود لقلة المردود المالي للمنشدين والمؤسسات العاملة في هذا الحقل، فالكثير منهم يخسر بعض أعماله بسبب قلة الدعم سواء للمنشدين أو للمهرجانات فهذا السبب أضعف المجال بشكل كبير. واستطرد المحمد قائلا: الجمهور يريد التجديد والأعمال المتميزة من جميع النواحي، ولكنه بالمقابل يبحث عن هذه الأعمال في الإنترنت دون أن يدفع شيئًا، لذلك أصبحت الأسواق تعاني من ضعف شديد، وبمجرد طرح الألبومات في السوق نجدها قد أدرجت في المواقع الإلكترونية والجماهير تجد الألبومات مجانية. وطالب المحمد بإيقاع عقوبة صارمة على الشخص الذي يقوم بإنزال الأناشيد في مواقع الإنترنت لأن هذا الأمر يضر بالإنشاد، وقال: لا بد أن يجني المنشد والشركة المنفذة أرباحًا نظير جهدهم وعملهم، فهذا الأمر سيساعدهم في تطوير أنفسهم وتقديمهم للجديد، وهذا مما يساهم في كثرة جمهور الإنشاد، وعلى الجميع أن يسعى جاهدا لتقديم كل ما ينفع الأمة الإسلامية. غياب المهرجانات أما المهتمة بالمجال الإنشادي والمنسقة للمهرجانات الإنشادية الأستاذة إيمان أفندي فتوضح أن المجال الإنشادي في الفترة الأخيرة انتعش أكثر من الفترة الماضية بشكل كبير وذلك لقدرته على مواكبة الذوق العام للجمهور من حيث الكلمات أو الإيقاعات أو الأداء. وقالت: اتسعت شريحة المستمعين للإنشاد، فلم يعد الأمر مقتصرًا على جمهور الإنشاد، بل وصل لمرحلة أبعد من ذلك وشمل جمهور الغناء الذين وجدوا فيه ما يلبي حاجاتهم من الارتواء بفضل هذا الفن الهادف ذي الإيقاع الجميل والإحساس الأصيل بدلًا من الانغماس في أجواء الحب والغزل الذي أصبح روتينيًا مملًا. واستدركت أفندي قائلة: هناك انحسار في إقامة المهرجانات التي من المفترض أنها نقطة تواصل وتشارك بين الجمهور والمنشدين بشكل مباشرة، وقد يكون السبب في ذلك هو عدم وجود الدعم المادي أو الفني من قبل الممولين والمستثمرين، هناك تعطش من الجمهور لهذه المهرجانات لأنها تجد قبولًا ورواجًا من جمهور الإنشاد. ونوَّهت أفندي إلى عدم وجود ممولين ومهتمين بالإنشاد نظرًا لاعتقادهم بضعف الشريحة المهتمة بالنشيد، وقد يكون الركود بسبب الجانب المادي وعدم وجود أرباح لكن مع التطور الذي شهده مجال الإنشاد في الفترة الأخيرة فقد ازداد جمهور هذا الفن وأصبح جاذبًا للعديد من شرائح المجتمع. واختتمت أفندي بمناشدة العاملين في مجال الإنشاد بالسعي لرقي الكلمة ووضوح الأهداف والتميز بالألحان وحسن الأداء، إضافة للإحساس النابع من القلب وتذوق الكلمات مما سيسهم في وصول هذا الفن لمتذوقيه وعشاقه.