أشرت في كلمة الاثنين الفائت إلى أن الحكومة الفلسطينية في غزة، طالبت الحكومة البريطانية بالاعتذار عن دورها الأساسي والحاسم في اغتصاب فلسطين، وإقامة دولة إسرائيل، وتشريد وعذابات 93 عامًا من النكبة التي بدأت بوعد وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور في 2/11/1917، وكذلك تعويض الشعب الفلسطيني تعويضًا عادلاً، وقلت بأن ذلك يتطلّب تعبئة لكل قوى الأمة العربية والإسلامية، واجتماع كلمتها، ووحدة صفوفها، وأن ذلك يبدو جد بعيد. وإنه لمن محاسن الصدف، أن تتزامن تلك المطالبة الفلسطينية لبريطانيا بالاعتذار والتعويض، مع تقديم شركة القطارات الوطنية الفرنسية اعتذارًا رسميًّا للمرة الأولى، عن الدور الذي قامت به في عمليات الترحيل القسري ليهود فرنسا إلى معسكرات الإبادة النازية إبان الحرب العالمية الثانية، وأعرب رئيس الشركة جيوم بيبي أثناء اجتماعه ببعض القيادات اليهودية، وبرلمانيين بولاية فلوريدا الأمريكية، لتقديم عرض لمشروع قطار سريع يربط بين تامبا وأورلاندو، عن أسف الشركة العميق لتنفيذها أوامر الحكام النازيين في نقل 57 ألف مواطن يهودي فرنسي إلى تلك المعسكرات، واضاف إن هذه الفترة تعتبر فترة قاتمة في تاريخ الشركة. * * * وأفاد بيان أصدرته الشركة بالتزامن مع لقاء رئيسها: نرغب في التعبير عن ألمنا العميق، وأسفنا لنتائج أفعالنا التي حدثت تحت ضغط طلب رسمي، واستشهد النص بقول الرئيس الفرنسي جاك شيراك في خطاب ألقاه في يوليو 1995خلال إحياء ذكرى حملة اعتقالات استهدفت اليهود: «هذه الساعات السوداء تلطّخ تاريخنا إلى الأبد، وتشكل إهانة لماضينا وتقاليدنا، وأضاف: نعم ساعد فرنسيون، والدولة الفرنسية، الجنون الإجرامي للمحتل»، وقال بيبي: بصفتنا ذراعًا للدولة الفرنسية، تتبنى شركة السكك الحديد الفرنسية هذه الكلمات ومعانيها، بالنسبة إلى الضحايا والناجين وعائلاتهم الذين تألّموا بسبب دورنا في الحرب». * * * لقد رفضت الشركة سابقًا لأكثر من مرة تقديم أي اعتذار عن ذلك الحدث، بحجة أن الحكم النازي أجبرها على القيام بعمليات الترحيل، إلاّ أنها اضطرت لتقديم هذا الاعتذار، بعد أن هدد بعض المشرعين الأمريكيين بمنعها من المشاركة في مناقصات ضخمة في الولاياتالمتحدة، ما لم تفعل ذلك. ولعل أفضل ختام لهذه السطور، أن أذكّر القارئ الكريم بأن الدولة الفرنسية (حكومةً وبرلمانًا) ما تزال ترفض حتى يومنا هذا رفضًا باتًا الاعتذار للشعب الجزائري الشقيق عن الاحتلال الفرنسي للجزائر، والجرائم، وحمامات الدم التي ارتكبتها القوات الفرنسية خلال سنوات الاحتلال التي بلغت أكثر من 130 عامًا. ذلك مثل واحد من أمثلة كثيرة، لما يجنيه العدو الصهيوني بالقوة والنفوذ والتفوق، وما تجنيه الأمة بسبب الضعف والفرقة والهوان والتخلّف.