على الرغم من صدور أحكام قضائية واجبة النفاذ ضد الكثير من الجهات الحكومية إلا أن غالبيتها يرفض تنفيذ هذه الأحكام بدعاوى مختلفة، يأتي ذلك في الوقت الذى من المفترض فيه أن تكون تلك الجهات نموذجًا للآخرين في تنفيذ الأحكام. ولعل الشيخ إبراهيم الحقيل رئيس ديوان المظالم كان واضحًا مؤخرًا وهو يؤكد في تصريح صحافي أن جهازه ليس مسؤولًا عن تنفيذ الاحكام انطلاقًا من مبدأ الفصل بين السلطات. وفي الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن تنفيذ الأحكام بشكل عام مسؤولية الشرطة والاحوال المدنية يرى اخرون اهمية اللجوء إلى الوزير المختص ثم إلى امير المنطقة او رفع قضية لتنفيذ الحكم الصادر له وهو ما يستغرق سنوات اخرى. ووفقًا للمحامي خالد عثمان في تصريح صحافي: نصت المادة (50) من النظام الأساسي للحكم بأن الملك أو من ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام القضائية كما أن من اختصاصات أمير المنطقة المنصوص عليها في المادة السابعة من نظام المناطق تنفيذ الأحكام القضائية بعد اكتسابها صفتها النهائية، ونظمت أحكام الباب ال 12 من نظام المرافعات الشرعية قواعد وإجراءات التنفيذ لكن لا يوجد نص قانوني خاص بمعالجة مسألة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، وبالتالي لا توجد عقوبات محددة يتعين تطبيقها على الموظفين المختصين الممتنعين عن تنفيذ هذه الأحكام. ولذلك أقترح أن يسن المشرع السعودي نصوصًا قانونية خاصة بهذا الشأن تحدد الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية وتحدد أيضًا العقوبات التي يتعين تطبيقها على المسؤولين الذين يرفضون عمدًا تنفيذ هذه الأحكام. اما نظام محاكمة الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 88 وتاريخ 22/9/1380ه قرر في مادته الخامسة معاقبة المتهم بالسجن لمدة تراوح بين ثلاث وعشر سنوات إذا ارتكب جرائم محددة منها: تعمد مخالفة النظم واللوائح والأوامر التي يترتب عليها ضياع حقوق الدولة المالية أو حقوق الأفراد الثابتة شرعًا أو نظامًا أو التدخل الشخصي في القضاء. ولا شك أن الامتناع العمدي للوزير أو رئيس المصلحة المستقلة عن تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضد وزارته أو المصلحة التي يترأسها، يشكل جريمة بموجب المادة الخامسة لأن الحكم القضائي النهائي القاضي بتقرير حق معين للمحكوم له يعد عنوانًا للحقيقة القانونية، وليس ثمة مجال بعد اكتسابه حجية وقوة الشيء المقضي به، للمجادلة أو المنازعة في ثبوت هذا الحق، فالقضاء هو حامي الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية. والامتناع العمدي عن تنفيذ أحكام القضاء النهائية يعني رفض الامتثال لسلطان الشريعة والنظام. الشكوى إلى الوزارة والمقام السامي اوضح الدكتور هادي اليامي عضو اللجنة الوطنية للمحامين أن ديوان المظالم ليس معني بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية، لأنه جهة قضائية فقط وان تنفيذ هذه الأحكام يكون عن طريق الجهات التي تصدر هذه الأحكام ضدها. ويختص الحاكم الإداري بتنفيذ الأحكام الجزائية الصادرة عن ديوان المظالم وذلك وفقًا للمادة 219 من نظام الإجراءات الجزائية، وفيما يتعلق بالأحكام التجارية فإنها تُنَفَذ أيضًا عن طريق امارة المنطقة من خلال الجهات التنفيذية في الشرطة “الحقوق المدنية” وأيضًا من خلال قاضي التنفيذ بالمحاكم العامة. وأشار اليامي إلى أن الجهات التنفيذية أيضًا تشمل الوزارات المختلفة كل حسب اختصاصه ولا توجد جهة محددة خاصة بقضايا ديوان المظالم، وتحديدًا القضايا التي تقام ضد الجهات الحكومية، فأي قضية تقام ضد الدولة في ديوان المظالم ويصدر حكم ضد الجهة الحكومية أيًا كانت، تعتبر جهة تنفيذية ويفترض أن تنفذ الحكم. وعما إذا كانت هناك حاجة ملحة إلى قوانين جديدة لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية، أكد اليامي أنه لا ينقصنا رؤية واضحة في تنفيذ الأحكام وأنظمة الدولة واضحة، مؤكدًا أن نظام الحكم ينص على أن الدولة بشكل عام تكفل حقوق الناس فيما يخص تعويضهم أو حقوقهم، فعندما يصدر حكم من جهة قضائية يفترض أن آلية تنفيذه واضحة وان الجهة الصادر ضدها هذا الحكم يجب أن تنفذه فورًا وفق منطوق الحكم. وبسؤال “المدينة” إلى من يلجأ المواطن في حال الشكوى من عدم تنفيذ حكم قضائي ضد أي جهة حكومية قال اليامي: إذا كان الأمر يتعلق بوزارة ما فمن المفترض أن يتابع المواطن تنفيذ الحكم من خلال الوزير المشرف على الوزارة الصادر ضدها الحكم، وفي حالة عدم تنفيذه وتأخيره، يحق للمواطن التقدم إلى المقام السامي بحق الوزارة أو الجهاز الصادر ضده حكم، بتنفيذ الحكم الصادر من ديوان المظالم أو إقامة دعوى ضد من يرفض تنفيذ الحكم أمام المحكمة الإدارية المختصة. العودة إلى الامارة من جهته اكد الشيخ صالح اللحيدان المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية بالشرق الاوسط أن الاصل في ديوان المظالم تلقي الشكاوى ضد الجهات الحكومية والمسؤولين في الدولة التي تناط بهم المسؤوليات، كما يتلقى بعض التظلم من المواطنين ضد الجهات التي لم تدفع لهم حقوقهم، اما فيما يتعلق بالجهات التي يناط بها التنفيذ العملي، فإن ديوان المظالم ينظر في القضايا المرفوعة اليه اما من المدعي العام من الدولة او من المواطن وترسل هذه القضايا إلى القاضي المسؤول، وبعد دراسة القضية في ديوان المظالم وظهور الحكم اما ضد المواطن او ضد الجهات الحكومية فإن ذلك يسمى الحكم النظري الالزامي، والديوان ليس جهة تنفيذية ولا ينفذ الحكم تنفيذًا عينيًا ماديًا وانما يصدر الحكم القضائي مثله مثل المحاكم العامة والجزئية، وترسل الحكم إلى جهات التنفيذ وهي جهات الامن. وبسؤال “المدينة” إلى من يلجأ المواطن في حال الشكوى من عدم تنفيذ حكم قضائي ضد أي جهة حكومية قال اللحيدان: يرجع إلى امارة المنطقة، لأن امارة المنطقة تشرف على الجهات الامنية، والأمير هو المسؤول. اعادة تأهيل القضاء الاداري وعلى الصعيد نفسه قال الدكتور المحامي ماجد قاروب إن ديوان المظالم جهة قضاء وليس تنفيذ، ولا يوجد له أي صفة او علاقة فيما يخص تنفيذ احكامه تحقيقًا لمبدأ فصل السلطات، وكما تم فصل الضبط على التحقيق يجب الفصل بين سلطة اصدار القرار وبين سلطة تنفيذ القرار، وبطبيعة الحال يختلف طريقة اسلوب تنفيذ القرارات الصادرة من ديوان المظالم تبعًا لنوعية الدائرة المصدرة للقرار (القرار الاداري يختلف عن القرار الجنائي ويختلف عن القرار التجاري)، وبالتالي الحديث عن الشرطة والحقوق المدنية في تنفيذ الاحكام على الدولة واملاك الدولة والاموال العامة امر غير دقيق، اذ ان المرجعية على الاموال العامة تحكمها اجراءات وانظمة، وتبدأ من الجهة الصادر ضدها القرار وتنتهي بوزارة المالية، اما أن تتولى السداد المباشر واما اعتماد المبلغ المحكوم به في الميزانية الحكومية لتلك الجهة، وبطبيعة الحال لا يوجد في ميزانيات الاجهزة الحكومية مبالغ للتعويض عن الاحكام والقرارات. واضاف قاروب:”ما نلاحظه هو التباين الكبير في تطور الفكر الاداري الحكومي بين استيعاب القضاء الاداري لهذه التطورات، فنحن اليوم نتحدث عن تعاملات الكترونية وتراخيص تصدرها جهات حكومية مختلفة وعقود حكومية تحت بند التشغيل والتمويل، وفي اعتقادي أنه من الضروري اعادة تأهيل قضاة القضاء الاداري لاستيعاب المستجدات في العمل الحكومي الاقتصادي خاصة ونحن مقبلون على مشروعات عملاقة لبناء السكك الحديدية والمطارات والموانئ ومشروعات البنية التحتية بما في ذلك اصدار تراخيص اعلانية وتشغيلية من العديد من الوزارات، ومن هذا المنطلق فإن احداث مبدأ التحكيم التجاري في عقود الدولة اصبح مطلبًا يجب أن يسبقه صدور تعديل نظام التحكيم وانشاء مركز التحكيم السعودي المختص في نظر القضايا عن طريق التحكيم. واضاف أن المواطن مرجعه الاول الجهة التي صدر ضدها القرار فهي معنية بمتابعة تنفيذه وهذا الامر يحتاج إلى معرفة طبيعة العمل الاداري الحكومي”. ---------------------- امارة مكة تستبعد الوسائل الجبرية لالزام الجهات الحكومية بتنفيذ الاحكام القضائية اكدت امارة منطقة مكةالمكرمة أنه لا يمكن استخدام الوسائل الجبرية لتنفيذ الاحكام ضد اى جهة حكومية مشيرة الى أن من المبادئ المستقرة عدم جواز الحجز على الاموال العامة، وان هذا المبدأ يشمل جميع الحجوزات التحفظية والتنفيذية سواء على المنقول او على العقار «. واضاف البيان الصادر: «لأن للاموال العامة حرمتها وعدم المساس بها من أي كائن من كان «، جاء ذلك في تعميم إلى جميع الجهات المعنية (الشرطة، المباحث، حرس الحدود، الاستخبارات، السجون، المخدرات وغيرها من الجهات) بناء على تعميم الامير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رقم 26355وحصلت «المدينة « على نسخة منه، القاضي بالموافقة على ما تضمنه خطاب هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بمشاركة مندوبين من (وزارة المالية ووزارة العدل) بشأن تنفيذ الاحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية. وشدد التعميم على جميع الجهات بأن للاموال العامة حرمتها، وانه لا يجوز الحجز عليها بأي صورة كانت، داعيًا الجهات الحكومية عند تسلمها الاحكام القضائية المذيلة بالصيغة التنفيذية الصادرة ضدها من المحاكم، باتخاذ الاجراءات الفورية لتنفيذها، والتنسيق مع وزارة المالية والجهات المعنية الاخرى عند الاقتضاء في هذا الشأن. ----------------------------- وزارة العدل: امراء المناطق مسؤولون عن تنفيذ الاحكام ضد الجهات الحكومية من جهته اكد مصدر قضائي بوزارة العدل أن الشرطة والحقوق المدنية هي الجهات المعنية بتنفيذ الاحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية وفقا لنظام المرافعات الشرعية داعيًا هذه الجهات إلى الالتزام وان تكون نموذجًا في تنفيذ الاحكام المكتسبة للصفة القطعية. وقلل من شأن الحاجة إلى أنظمة جديدة وقال: النظام واضح وصريح، واذا تم تفعيله اجزم سيصبح له اثر ايجابي في اكتساب الاحكام هيبتها وتنفيذها ضد أي جهة دون تفريق. وقال إن المواطن يمكنه التوجه إلى امير المنطقة في حال عدم التزام الجهة الحكومية بتنفيذ الحكم لانه هو المسؤول المباشر عن هذا الامر. وعلى هذه الجهات أن تتفاعل مع هذا الامر لإيصال الحق لاهله. وعن المدة الزمنية المناسبة لتنفيذ أي حكم قضائي بصورة نهائية، قال: من المفترض أن ينفذ مباشرة دون تأخير طالما هناك صك مكتسب القطعية، وللأمانة نحن بحاجة إلى تفعيل مثل هذه الانظمة، وطالب جميع الجهات الحكومية التي تؤخر تنفيذ حكم صدر ضدها أن يوصلوا الحق لأهله وان يكونوا قدوة لغيرهم في سرعة مبادرة تنفيذ الاحكام احتسابًا للاجر. الشرطة: الاحكام القضائية واجبة النفاذ وبشان الاجراء الامني المعني بالحقوق المدنية بشرطة المنطقة الشرقية لقاء الدعاوى الحقوقية المقامة ضد جهات حكومية اخرى والمثبتة بحكم شرعي، اوضح المقدم زياد الرقيطي المتحدث الرسمي باسم شرطة المنطقة الشرقية أنه وبعد احالة اوراق القضية للحقوق المدنية بالشرطة واكتساب القضية حكم شرعي قطعي يصبح الامر ملزم للنفاذ وبالتالي يتم مكاتبة الجهة المعنية بالدعوى لانفاذه ومتابعة التنفيذ لحين استيفائه وتعد هذه القضايا قليلة اذا ما تم مقارنتها بقضايا الافراد، كما أن معظم هذا النوع من القضايا يتم حله باتفاق الطرفين بعد صدور الحكم لعلاقة المدعي في الغالب بالجهة المدعى عليها الاجراءات الواجب اتخاذها في حالة عدم التزام الجهات الحكومية بتنفيذ الاحكام 1- يرفع المحكوم له تظلمًا للوزير أو رئيس المصلحة المستقلة يحيطه علمًا بامتناع الجهة المختصة في وزارته أو المصلحة التي يترأسها عن تنفيذ الحكم القضائي ويطلب منه إصدار الأمر إلى تلك الجهة بتنفيذ الحكم القضائي. 2- إن لم يستجب الوزير المختص أو رئيس المصلحة المستقلة لهذا الطلب، يحق للمحكوم له أن يرفع الموضوع إلى الملك لأنه مرجع جميع السلطات في الدولة طبقًا لنص المادة 44 من النظام الأساسي للحكم ملتمسًا صدور أمره السامي للجهة الإدارية المحكوم عليها بأن تنفذ الحكم القضائي. 3- من حق المحكوم له أن يرفع دعوى أمام إحدى المحاكم الإدارية المختصة في ديوان المظالم ضد الجهة الإدارية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء امتناعها عن تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضدها.