في مقدمة كتابه الشهير عن السيرة النبوية (فقه السيرة)، يشرح الشيخ الغزالي الأدوات التي اعتمدها لصياغة منهجه في التعامل مع الحديث الشريف: (قد يكون الحديث ضعيفا عند جمهرة المحدثين، لكني أنا أنظر لمتن الحديث فأجد معناه متفقا كل الاتفاق مع آية من كتاب الله أو أثر من سنة صحيحة، فلا أرى حرجا من روايته إذ هو لم يأت بجديد في مجال الأحكام والفضائل والأخلاق). هنا يصرح الغزالي بمنتهى الجرأة بمنحه الأولوية للمتن على حساب السند على عكس ما هو سائد في منهج المحدثين التقليديين. ولإضافة مزيد من التوضيح لهذا المبدأ يضيف الغزالي عبر نفس الكتاب: (في الوقت الذي فسحت فيه مكانا لهذا الأثر -يقصد حديثا ضعفه الألباني رحمه الله- على ما به، صددت عن إثبات رواية البخاري ومسلم مثلا للطريقة التي تمت بها غزوة بني المصطلق). ثم يتابع:(رواية الصحيحين تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم باغت القوم وهم غارون ما عرضت عليهم دعوة الإسلام.. ولا بدأ من جانبهم نكوص.. ولا عرف من أحوالهم ما يقلق.. وقتال يبدؤه المسلمون على هذا النحو مستنكر في منطق الإسلام، مستبعد في سيرة رسوله، ومن ثم رفضت الاقتناع بأن الحرب قامت وانتهت على هذا النحو). ويتابع: (وسكنت نفسي إلى السياق الذي رواه ابن جرير، فهو على ضعفه الذي كشفه الأستاذ الشيخ الألباني يتفق مع قواعد الإسلام المتيقنة، أنه لا عدوان إلا على الظالمين). ثم يضرب الشيخ الغزالي مثلا آخر على درجة عالية من الأهمية: (وكما تجاوزت عن الحديث السابق -حديث غزوة بني المصطلق- تجاوزت عن مثله أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه وأعلمهم بالفتن وأصحابها إلى قيام الساعة، فقد صح من كتاب الله وسنة رسوله أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيوب على هذا النحو المفصل الشامل العجيب). قد نتفق مع الغزالي وقد نختلف معه، لكن منهجه يستحق المناقشة بكل تأكيد. [email protected]