حديث ذو شجون كنت طرفًا فيه، والطرف الآخر أحد الأصدقاء ممن عرفت فيهم الفهم والثقافة والوعي بأهمية الوقت، كذلك تميزه في مجاله، الذي أتاح له العرض في الصالات الفنية الكبرى والقنوات الإعلامية المتخصصة، لكن صديقي يشكو من الأحوال التي يتعرض لها الفنان بين فترة وأخرى من أشكال المعاناة، سواء عند التحضير لفكرة عمل قادم أو مشروع معرض شخصي أو مشاركة، وغالبًا ما ترتفع وتيرة الضغط والتوتر عندما يشارك في عمل تنافسي يحتاج منه التركيز في معظم التفاصيل، وهذا التركيز المضني لا يسمح له بالتعاطي مع أجواء يشعر فيها بمضيعة الوقت، دون إحراز خطوة في عمله الفني الذي هو شغله الشاغل، والذي هو أحق بذلك الوقت الضائع، ناهيك عن تسرب الملل من طول سهر أو الدخول في مهاترات لفظية تبقى نتيجتها في الغالب “صفر”. بعض مما يعانيه صديقي، وجود شخص عتيد تليد بليد يظهر هكذا مثل الكارثة دون سابق إنذار، ثقيل ُثقل الديون، يتدخل فيما لا يعنيه ولا يدركه، سواء من ناحية التشكيل أو الألوان، ولكن في تفاصيل اللوحة باللفظ، محاولًا محو أجزاء وإضافة أخرى، فارضًا وصايته، منذرًا بسوء عاقبة من لا يدرك أهمية تلك النصائح، التي يقذف بها كالحمم بين وقت وآخر، ومن الغريب العجيب أن تجده يرتدي ثوب الأديب الأريب، ويتحوّل إلى لُغويّ مهم وصاحب بلاغة لا تُبارى، عندما يتدخل في أزمة المصطلح وكيفية مجابهة من يتغربون بأفكارهم وأعمالهم، ثم يطلق صاروخ من نوع (لا فض فوك) يقول فيه ما لنا والفن الذي زحف إلينا من الغرب؟ وهو لا يعي أن ابن المقفع عندما أتى بكتابه (كليلة ودمنة) كتب وأوصى أن يخرج للقرّاء محمّلًا بالصور، وكانت هناك رسومات للواسطي وخرائط للإدريسي، وهناك صور ورسومات في كتب البيطرة والصيدلة وعلم العقاقير وكثير من الرسوم الهندسية والحركة من تروس وغيرها، ناهيك عن رسوم السجاد بأصفهان والتبريز وغيرها. نحن نتعجب كثيرًا ممن يتدخّل في شأن لا يعنيه ولا يأبى لما لا يرضيه، واليوم عندما نختار عنوان هذا المقال نسرد لحضراتكم شيئًا من المعاناة التي ُتمارس علينا نحن الفنانين صبيحة كل شمس.. والله المستعان.