من يفض الاشتباك بين الشرعيين والإعلاميين ؟ ولماذا يكيل "بعض" العلماء وطلبة العلم الاتهامات لوسائل الإعلام والقائمين عليها, في الوقت الذي نجد الكثيرين يلهثون وراء الإعلام, ويخطبون ود الإعلاميين؟ وبالمقابل لماذا لا يلتزم "بعض" الإعلاميين بالمصداقية في النقل عن العلماء, والالتزام بكلامهم في النشر أو البث, بل يقومون بنشر ما يريدون, وحجب ما لا يريدون, وإبراز ما يتفق لتوجهاتهم, وحجب ما يعارضها؟ فهل من ميثاق شرف يلتزم به الجميع؟ وكيف يتم ردم الهوة بين الشرعيين والإعلاميين؟ فهناك من يلقي اللوم على الإعلاميين, مشيرا إلى تسجيل حالات كثيرة لتجنيهم على العلماء, وهناك من يتهم الشرعيين بعدم فهم طبيعة الإعلام, وأنهم يريدون نشر كل ما يقولون سواء كان في صلب الموضوع أو خارجاً عن السياق. قضية شائكة تطرحها "الرسالة"، فماذا يقول الشرعيون وهل بالفعل صار الإعلام محرقة للعلماء؟ وماذا يقول الإعلاميون وهل فعلا يتعمدون الإساءة لأهل العلم الشرعي؟ بداية يعترف الدكتور سعد العريفي بأن هناك دعاة وطلبة علم يلهثون وراء الفضائيات من باب حب الظهور وطلب الشهرة, وقال: للأسف فإن بعض الدعاة الجدد يلهثون وراء الظهور واحتلال الفضائيات, ويريدون البروز والشهرة, وهذا خطأ كبير، فعلى الداعية أن يحرص على إبلاغ دعوته, وان يكون هذا هو همه، ونحن لسنا مسؤولين عن النتائج، بل عن تبليغ الدعوة للناس كافة بلا رياء ولا حب ظهور ولا طلب شهرة. وأكد العريفي أن الدعوة هي مهمة الرسل والأنبياء ومن سار على نهجهم وطريقهم, وطريق الدعوة ليس مفروشا بالورود, فلابد من مشكلات وأشواك وعقبات وصعاب, وعلى الداعية أن يواجهها ويتغلب عليها متسلحاً بالإيمان, وألا ينسى دوره أو يتناسى مهمته, ولا يجب لأي أمر آخر أن ينسيه هدفه. وحمل الشيخ العرفي بعض وسائل الإعلام المسؤولية في إثارة الخلافات بين الدعاة وطلبة العلم وقال: هذا يؤثر سلباً على المتلقي, بل على الداعية, وعلى الدعاة أن يدركوا أن ثورة التقنية الحالية وتحول العالم إلى قرية صغيرة يجعل أي شيء ينتقل بسرعة, وبعض وسائل الإعلام لا تتجاوب مع العلماء وطلبة العلم في نشر ما يريدون, بل لا تنشر أو تبث ردودهم وتوضيحاتهم تجاه ما يثار, الأمر الذي يجعل المتلقي يتلقى من جانب واحد, ويسمع وجهة نظر أحادية الجانب. المؤهلون فقط من جانب آخر يقول الشيخ صالح المغامسي: يجب على الداعية الذي يخرج للإعلام أن يكون من أهل العلم, لأنه يحدث الناس عن رب العالمين, وليس أي طالب علم مؤهل لذلك. وسائل الأعلام قدمت خدمات كثيرة وعظيمة للناس ولطلبة العلم في تبليغ دين الله, فهي تبليغ رسالة العلماء, الذين يقولون عن رب العالمين, ولا يجوز لأي قناة فضائية أن تأتي بمن ليس مؤهلا شرعيا للحديث في أمور الدين, ولا يجوز لطالب العلم غير المؤهل أن يخرج للناس على فضائية ويتحدث عن أمور لا يعلمها. وأشار المغامسي إلى أن العلماء أربعة أصناف: علماء صنعهم الإعلام, وعلماء صنعهم الناس والجماهير, وعلماء ربانيون معروفون مؤهلون, وعلماء ربانيون مؤهلون غير معروفين, وأن العلماء الأمة الربانيون ليسو محصورين في المشاهير. سلطة النظام ويرى خبير الأنظمة والمستشار القانوني حمود الناجم الهجلا أن النظام يردع من يفتئت على الآخر, وقال إذا كان من حق العالم وطالب العلم الشرعي أن ينشر كلامه كاملاً دون تحريف أو تشويه, وهذا حق أصيل, فإن من حق الإعلامي من منطلق مهني أن يختار العناوين التي يبرزها, بشرط أن تكون من نفس كلام المتحدث. واعترف الناجم بأن هناك من الشرعيين من لا يحسنون التعامل مع الإعلام, وهناك من يتحدثون في كل شيء, ويدلون بآرائهم في أي قضية، سواء كانوا ملمين بها أو غير ملمين, مطالبا بالتخصص في التعامل مع الإعلام, وقال: على الإعلاميين إذا كان الحديث عن الفقه أن يلجأوا إلى الفقهاء, وإذا كان الأمر يتعلق بالفتوى فيكون الحديث للمؤهلين للفتوى والمكلفين من قبل ولي الأمر بالإفتاء, ولكن للأسف وجدنا من يفتئت على هيئة كبار العلماء, وعلى اللجنة الدائمة للإفتاء, وقد وضع التوجيه الملكي لسماحة المفتي بقصر الفتوى على كبار العلماء أو من يسمح لهم بالفتوى حداً لفوضى الإفتاء. المصداقية أولاً الخبير الإعلامي والأكاديمي بجامعة الملك سعود عادل بن عبد القادر المكينزي أكد على المصداقية والشفافية في النقل عن العلماء, وقال: إذا كان من حق الإعلامي أن يسأل ويحاور ويستفسر ويحصل على الإجابات على أسئلته, فمن حق المصدر سواء كان شرعياً أو غير شرعي أن يتم الالتزام بكلامه المنشور أو المذاع. ولكن للأسف هناك من مارس "الحجب" في النشر, ومن لجأ إلى "الاجتزاء", وطالب المكينزي باحترام كلام كبار العلماء, وطالب في الوقت نفسه بترشيد خروج العلماء إلى وسائل الإعلام وقال: يجب ألا ينجر الشرعيون إلى الساحة الإعلامية المفتوحة, وأن يلتزموا بمكانتهم وأن يتحدثوا في القضايا المنوطة بهم, وأن نحترم التخصصات في الفقه والحديث والتفسير والدعوة, أما تهافت البعض وراء وسائل الإعلام فلا شك أن فيه ضرر كبير. من جانبه يرى أستاذ الإعلام وعضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله العبد القادر تشعب هذه القضية ويقول: يجب النظر إلى هذه القضية من عدة أبعاد: ففي الأول ينبغي أن نحدد من هو العالم الذي نقصده، أعني متى نستطيع إطلاق كلمة عالم لأننا مع الأسف أصبحنا نسمع ونشاهد أشخاصاً كثيرون جاهزون للظهور عبر وسائل الإعلام والتحدث عن كل شيء, فعندما نطلق كلمة عالم؛ هل المقصود به الذي يحمل مؤهلاً علمياً في تخصص شرعي فقط؟ أم أنه الشخص الذي تتلمذ على أيدي علماء معتبرين؟ أم غير ذلك؟ هذه المسألة أرى أنها مهمة جداً، وينبغي في البداية تحديد المعايير والسمات التي يجب أن يتحلى بها من يتصدى للفتيا والحديث عبر المنابر الإعلامية. ومضى العبد القادر قائلاً: أما فيما يتعلق بالمعايير التي تبنى عليها مشاركة العلماء في وسائل الإعلام فأتصور أنه فضلاً عن التسلح بالعلم الشرعي فإنه يجب على من يتصدى للمشاركة عبر وسائل الإعلام أن يتزود بالثقافة الواسعة والاطلاع على ما يستجد من معارف وعلوم، كما أقترح أن يتم تنظيم دورات متخصصة لهم في مهارات الاتصال وطبيعة العمل الإعلامي، لأن الإعلام كما هو معروف سلاح ذو حدين والتعامل معه يتسم بالخطورة، خصوصاً عندما تحمل الوسيلة الإعلامية أجندة معينة أو تتبع نهجاً لا يتفق مع المنهج الذي يتبناه الضيف، فبدون شك ستعمل على تحوير الحديث ومعالجته بالطريقة التي تتفق مع أفكارها التي تؤمن بها، وهذا هو ما يعرف بنظرية حارس البوابة وهي إحدى النظريات الاتصالية المعروفة. لذلك ينبغي الحرص واتخاذ الحيطة والحذر في التعامل مع وسائل الإعلام لأنها بالفعل ربما تتحول إلى محرقة للعالم في حال إخفاقه في التعامل المثالي معها, كما يجب على العالم أن يتجنب الحديث في القضايا التي لا يملك المعلومات الكافية عنها لأن عدم الإلمام بالقضية سيفضي في النهاية إلى تورط المتحدث وفشله في الدفاع عن موقفه. واختتم العبد القادر بالقول: ثمة جانب آخر يتمثل في مسئولية وسائل الإعلام التي يجب ألا تترك الحبل على الغارب للعاملين فيها لمناقشة بعض الأمور، خصوصاً القضايا الحساسة، ولذلك أرى أن من واجب هذه الوسائل أن تحرص على اختيار الإعلاميين المؤهلين والمتخصصين، ولا أقصد هنا أن يتحول الإعلامي إلى عالم دين، ولكن ينبغي أن يتزود بالحد الأدنى على الأقل من العلم الشرعي الذي يسمح له بتناول القضايا الدينية ومناقشتها والقدرة على اختيار الضيوف المؤهلين الذين باستطاعتهم التصدي لتلك القضايا ومعالجتها من منظور شرعي سليم. تمييع الدين وعلى ذات السياق يحذر الداعية بدر بن طامي العتيبي وعضو جمعية الدعوة بالطائف من فتح باب ومنافذ الإعلام أمام من ليس لديهم علم بالإفتاء, أو التحدث في الدين بدون علم ويصف هذا الأمر بأنه "شر عظيم" وقال: للأسف وجدنا حديثاً عن قضايا حسمها كبار العلماء وأفتوا فيها مثل حل السحر عن المسحور, وحلّ الغناء وترك صلاة الجماعة, ولا شك أن تسويق هذه كلام هؤلاء إعلامياً هو أمر بالغ الخطورة. وتساءل العتيبي قائلاً: كيف يأتي متهورٌ بدعوى سعة الأفق واعتبار الاختلاف وتمام الاجتهاد، فينادي في الأمة بأن ما أنتم عليه خلاف الصحيح، وأنه لا يجوز كذا، ويجوز كذا؟ إن فتح هذا الباب؛ وخاصة من غير جهة الإفتاء الرسمية سوف يفتح باب شرٍّ عظيمٍ يجب تداركه وإغلاقه، وإلا فسوف يأتينا غداً من يقول: بأن ترك الصلاة ليست كفراً، ومن باب أولى من ترك بقية الشعائر مسلم فاسق! وهذا قول عند بعض من ينتسب إلى السنة. أو يدعي أن تحكيم غير شرع الله، وتعطيل حكم الله لا يكفر صاحبه مطلقاً، وهو قول متداول! وأن صلاة الجماعة ليست واجبة! وهذا قول مروي! أو أن سفر المرأة بغير محرم جائز، وهذا قول منقول! أو يزعم أن التعري في الأعراس جائز سوى ما بين السرة والركبة!!، وهو قول محدث منقول! أو أن إتيان المرأة في الدبر جائز! وهذا مذهب معروف أصحابه! وغير ذلك من الأقوال التي نفاجأ بها بين الفينة والأخرى في بعض وسائل الإعلام. فبالله عليكم أي دينٍ سيبقى عندما تتوارد هذه الأقوال على العامة، فيأخذون بساقطة كلّ واحدٍ من أمثال هؤلاء؟ واختتم العتيبي كلامه قائلاً: ماذا يريد هؤلاء من ذلك (التمييع) للدين؟ والله ما هذا إلا ابتغاء الفتنة في دين الله، وابتغاء إحداث الفرقة والبلبلة بين أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. ونحن في زمن اشتدت فيها الغربة، وغلب فيه الجهل، وندر من يجرد اللسان والبنان نصرة لدين الله تعالى، وكنا كما قال الإمام عبد الله بن المبارك: (اعلم أي أخي! إنَّ الموت كرامة لكل مسلم لقي الله على السُّنَّة، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فإلى الله نشكو وَحْشَتَنَا وذهابَ الإخوان، وقلة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكو عظيم ما حَلَّ بهذه الأُمة من ذهاب العلماء وأهل السُّنَّة، وظهور البدع).