لم يَغبْ حَالُ مدننا العربية خلال تأملي لجوهر رسالة الفارس حرفوش بن برقوق الراكبدار التي ألقاها أمام شاخص والي مصر محمد علي باشا في الفيلم السينمائي المصري الشهير من بطولة عادل إمام ويسرا ، والتي أكد فيها على أهمية محاربة الفساد باعتباره العدو الأكبر الذي تواجهه الشعوب ؛ كانت كلماته تلك هي لبُّ الحقيقة الواجب إدراكها من كل المسؤولين في عالمنا العربي بوجه عام ، إذ ما أسوأ حال اليوم مقارنة بالأمس في عالمنا العربي، .وتذكرت في لحظة تأمل مدينة جدة «التاريخ» ، التي مازالت تعاني من الإهمال ، وغياب التخطيط ، وسوء تنفيذ الأعمال الإنشائية ، وبطء سيرها إلى الدرجة التي أصبح عديد منها تأريخا يؤرخ بها السكان شؤون حياتهم فيقول قائلهم : ولدت قبل البدء في المشروع الفلاني ، وتخرجت قبل الانتهاء منه ، وأنجبت ابني البكر قبل افتتاحه ... ؛ إنها مصيبة حقا أن يصل الحال بنا إلى هذه الدرجة ، على الرغم من توفر الخبرات العلمية ، والكفاءات الهندسية والإدارية ، والعمق الزمني الكافي للاستفادة من التجارب العملية بوجه عام . ومع ذلك إلا أن المشكلة قائمة ، بل وكأن الزمن قد توقف حين ملاحظة العديد من مخططات أمانة مدينة جدة . وحتى لا يتهمني أحد بالخطابة والإنشائية دعونا نقارن بين تخطيط هندسي لعدد من الأحياء القديمة التي تم تنفيذها في حقبة الستينات وبداية السبعينات كأحياء الشرفية ومشرفة مثلا ، وبين تخطيط مماثل خلال الفترة الراهنة كحي المروة المعروف بمخطط الحرمين ، سنلاحظ ألا فرق من حيث مقدار مساحة الشوارع الفرعية داخل المخططين على سبيل المثال التي يصل بعضها إلى ثلاثة أمتار فقط بين عمائر يصل ارتفاعها إلى سبعة أدوار سكنية ، وإذا كان الأمر مقبولا في المخططات القديمة على اعتبار أن ذلك كان مواكبا لبداية النهضة المدنية ، فإن الأمر مختلف كثيرا في الفترة المعاصرة ، فعدد السكان قد تضاعف بشكل مذهل ، وعدد المركبات قد زادت عما كانت عليه بصورة عالية جدا ، لكن كل ذلك لم يكن في حساب القائمين على الأمانة ، وأخشى ما أخشاه أن تكون ساعة الزمن قد توقفت في أذهانهم حال ممارستهم العمل الرسمي . الغريب في الأمر أن عديدا منهم على دراية علمية يقينية بأسس وقواعد تخطيط المدن ، التي يستلزم فيها أخذ اعتبار التطور العمراني المستقبلي لمدة (200) عام على أقل تقدير ، لكن علمهم لم يتم ترجمته فعليا إلى واقع ملموس ، وبالتالي فلم تشهد العروس أي تطوير فعلي خلال عمرها الزمني المعاصر . ، إن مدينة بعمق تاريخ مدينة جدة يعود بداية تدشينها كميناء لمكة المكرمة وبوابة للحرمين الشريفين إلى سنة 26 للهجرة النبوية الشريفة ، في حاجة ماسة ليس إلى الاهتمام فهذا أمر ملموس ولكن الى إيجاد الحلول العملية لتحقيق النجاح والتطوير المرغوبين ، وأتصور أن مدينة كبيرة بحجمها في حاجة إلى تقسيم أمانتها إلى خمسة أقسام رئيسة، مستقلة في هيكلها الإداري والتنفيذي ، على أن تتم المفاضلة ومكافأة الملتزم الفاعل ، واستبعاد المقصر المهمل ، بين الإدارات البلدية الخمس في نهاية كل عام ، بحسب إنجازاتها الإنشائية على الصعيد المدني والحضاري . فهل يسع ذلك ؟. د. زيد علي الفضيل [email protected]