** لا يمكن للمؤرّخ والباحث الذي يُدوِّن سيرة الفعل الثقافي في بلادنا أن يحيط بأبعاد تلك الصورة، دون أن يتوقف عند مكتبة الثقافة التي أُنشئت في مكةالمكرمة على أيدي روّاد من أمثال: صالح وأحمد جمال، وعبدالرزاق بليلة، وهذا الأخير الذي رحل عن دنيانا قبل أيام قليلة، يتذكّر الجيل الذي سبقنا دوره في تشجيع الشباب في بداية السبعينيات الهجرية من خلال صفحة دنيا الطلبة بصحيفة “البلاد”، والتي كان يشرف عليها هذا الرائد، فشخصيات من أمثال أساتذتنا: معالي الدكتور محمد عبده يماني، ومعالي الدكتور محمود سفر، والمرحوم عبدالله جفري، والأساتذة: محمد سعيد طيب، ومحمد صالح باخطمة، ومحمد عمر العامودي، وأسامة السباعي، وحمزة فودة، وهاشم عبده هاشم، وغيرهم يدينون بالفضل لهذا الرائد في فتح آفاق الكتابة الأدبية والإبداعية والاجتماعية -أمامهم-، وهم الصفوة الذين عملوا مع رصفائهم في المدن الأخرى من بلادنا على ترسيخ كياننا العلمي والأدبي. ** عندما قدمت إلى مكة مع بداية التسعينيات الهجرية، كانت مكتبة الثقافة قد انتقلت من باب السلام إلى قرب حي سوق الليل، وكان الأستاذ بليلة قد استقل هو الآخر بمكتبة تزخر بشتّى الفنون، وذلك بحي أجياد المطل على بيت الله الحرام، كما كانت مكتبة المرحوم أحمد حلواني، والتي كانت تقوم بحي الشامية، تمدنا كذلك بكتب الأدب الحديث كما أمدت أجيالاً سبقتنا. ** عرفت المرحوم -عبدالرزاق بليلة- في مكتب فضيلة الشيخ عبدالله خياط، أحد أشهر حفظة كتاب الله في الحقبة الماضية، ومن أكثرهم قدرة على التأثير عندما يصعد منبر بيت الله الحرام. ** وكان ممّا يجمع الرجلين تلك الوداعة، وذلك اللطف الذي اتّسمت به نفوس القوم الذين انفتحت دواخلهم على عوالم الملكوت، فنالوا كثيرًا من الرحمات المتنزلة على البيت والحطيم. ** كان أستاذنا البليلة -رحمه الله- سباقًا إلى السؤال عن أبنائه وتلامذته، وكان قادرًا بشمائله الإنسانية على أن يشعرهم أنه واحد منهم، مع شموخ قامته في العلم والمعرفة. ** أشعر أننا قصّرنا في حق هذا الرائد الذي كان بيننا، ثم اختفى لدواعي المرض والشيخوخة، فالعزاء لأهله وأبنائه، والرحمة والرضوان عليه كلّما هبت النسمات بسفوح الحجون والمعلاة.